حقائق المعرفة في علم الكلام،

أحمد بن سليمان (المتوكل) (المتوفى: 566 هـ)

فصل في الكلام فيما اتفق عليه أهل القبلة وما اختلفوا فيه من التوحيد

صفحة 181 - الجزء 1

  شيئا مما نفاه عن نفسه في وقت من الأوقات لزال التّمدح ووجب النقص، وكذلك الإدراك والرؤية⁣(⁣١).

  وأما معنى قول اللّه تعالى: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناضِرَةٌ ٢٢ إِلى رَبِّها ناظِرَةٌ}⁣[القيامة: ٢٢ - ٢٣]، فهو أن يكون النظر إلى اللّه بالعقل، كما قال تعالى: {أَ لَمْ تَرَ إِلى رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ الظِّلَّ}⁣[الفرقان: ٤٥]، وقوله: {أَ لَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحابِ الْفِيلِ}⁣[الفيل: ١]. وفي آخر الآية ما يدل على هذا التأويل؛ وهو قوله: {وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ باسِرَةٌ ٢٤ تَظُنُّ أَنْ يُفْعَلَ بِها فاقِرَةٌ}⁣[القيامة: ٢٤ - ٢٥]، فعلّق ذكر الظنّ بالوجوه، والظن لا يتعلّق بالوجوه⁣(⁣٢)، فوجب أن يكون المراد بها⁣(⁣٣) العقل. ويحتمل أن يكون المراد بقوله تعالى: {إِلى رَبِّها ناظِرَةٌ} أي منتظرة، قال اللّه تعالى: {فَنَظِرَةٌ إِلى مَيْسَرَةٍ}⁣[البقرة: ٢٨٠]، والمعنى: فانتظار إلى ميسرة. وقال تعالى حاكيا قول بلقيس: {وَإِنِّي مُرْسِلَةٌ إِلَيْهِمْ بِهَدِيَّةٍ فَناظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ}⁣[النمل: ٣٥]، أي منتظرة، ومثل ذلك موجود في لغة العرب، قال الشاعر:

  وجوه يوم بدر ناظرات ... إلى الرحمن يأتي بالخلاص

  وقال غيره:

  وكنّا ناظريك بكل فجّ ... كما للغيث ينتظر الغمام

  ويحتمل أن يكون المراد بقوله: {إِلى رَبِّها ناظِرَةٌ} أي إلى رحمة ربها


(١) في (ش): فكذلك الإدراك والإرادة.

(٢) في (ب): فالظن لا يتعلق بالوجه. وفي (ن): والظن لا يتعلق بالوجه.

(٣) في (ع، ش): المراد بهما. وفي (ن): المراد به.