فصل في الكلام فيما اتفق عليه أهل القبلة وما اختلفوا فيه من التوحيد
  شيئا مما نفاه عن نفسه في وقت من الأوقات لزال التّمدح ووجب النقص، وكذلك الإدراك والرؤية(١).
  وأما معنى قول اللّه تعالى: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناضِرَةٌ ٢٢ إِلى رَبِّها ناظِرَةٌ}[القيامة: ٢٢ - ٢٣]، فهو أن يكون النظر إلى اللّه بالعقل، كما قال تعالى: {أَ لَمْ تَرَ إِلى رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ الظِّلَّ}[الفرقان: ٤٥]، وقوله: {أَ لَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحابِ الْفِيلِ}[الفيل: ١]. وفي آخر الآية ما يدل على هذا التأويل؛ وهو قوله: {وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ باسِرَةٌ ٢٤ تَظُنُّ أَنْ يُفْعَلَ بِها فاقِرَةٌ}[القيامة: ٢٤ - ٢٥]، فعلّق ذكر الظنّ بالوجوه، والظن لا يتعلّق بالوجوه(٢)، فوجب أن يكون المراد بها(٣) العقل. ويحتمل أن يكون المراد بقوله تعالى: {إِلى رَبِّها ناظِرَةٌ} أي منتظرة، قال اللّه تعالى: {فَنَظِرَةٌ إِلى مَيْسَرَةٍ}[البقرة: ٢٨٠]، والمعنى: فانتظار إلى ميسرة. وقال تعالى حاكيا قول بلقيس: {وَإِنِّي مُرْسِلَةٌ إِلَيْهِمْ بِهَدِيَّةٍ فَناظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ}[النمل: ٣٥]، أي منتظرة، ومثل ذلك موجود في لغة العرب، قال الشاعر:
  وجوه يوم بدر ناظرات ... إلى الرحمن يأتي بالخلاص
  وقال غيره:
  وكنّا ناظريك بكل فجّ ... كما للغيث ينتظر الغمام
  ويحتمل أن يكون المراد بقوله: {إِلى رَبِّها ناظِرَةٌ} أي إلى رحمة ربها
(١) في (ش): فكذلك الإدراك والإرادة.
(٢) في (ب): فالظن لا يتعلق بالوجه. وفي (ن): والظن لا يتعلق بالوجه.
(٣) في (ع، ش): المراد بهما. وفي (ن): المراد به.