حقائق المعرفة في علم الكلام،

أحمد بن سليمان (المتوكل) (المتوفى: 566 هـ)

فصل في الكلام فيما اتفق عليه أهل القبلة وما اختلفوا فيه من التوحيد

صفحة 183 - الجزء 1

  بالجهات، وكان مدورا بصورة مخصوصة، فهل هو إلا جسم مشبه للأجسام، فكيف يكون التشبيه غيره هذا؟ تعالى اللّه عن ذلك علوّا كبيرا. فصحّ أنه ليس من رسول اللّه ÷.

  وإن قال⁣(⁣١) قائل مستفيد: ما تقولون لو كان صحيحا، ما يكون تأويله؟ قلنا: ليس هو بصحيح، فإن صحّ فمعناه: تعلمون ربكم علم ضرورة كما تعلمون القمر علم ضرورة بالمشاهدة؛ لأن المشاهد يعلم⁣(⁣٢) علم ضرورة، واللّه تعالى يعلم في الدنيا علم استدلال، ويعلم في الآخرة علم ضرورة بغير مشاهدة؛ ولأن الاستدلال يسقط في الآخرة لأنه تكليف وبحث وإزالة تشبيه، وقد سقط في الآخرة التّكليف، فصحّ أنه يعلم في الآخرة علم ضرورة⁣(⁣٣). ولأن العبد عندما يرى صدق الوعد والوعيد، يعلم ربه علم ضرورة، وقد سأل موسى ربّه أن يريه آية من آيات الآخرة حتى يعلم ربّه علم ضرورة، فقال:

  {رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ قالَ لَنْ تَرانِي وَلكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكانَهُ فَسَوْفَ تَرانِي}⁣[الأعراف: ١٤٣]، ويحتمل أن يكون سأل ربّه⁣(⁣٤) أن يبيّن له نفي الرؤية إذ سأله قومه الرؤية، فقال: {لَنْ تَرانِي}. و (لن) عند أهل اللغة للقطع والتأبيد، قال اللّه تعالى: {لَنْ يَنالَ اللَّهَ لُحُومُها ...} الآية [الحج: ٣٧]، وقال:

  {لَنْ تَنالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ}⁣[آل عمران: ٩٢]، ولأن اللّه عاقب الذين سألوا موسى أن يريهم اللّه ولم يعاقب موسى، ولو كان موسى سأله


(١) في (ب، ع، ش): فإن قال.

(٢) في (ع): لأن المشاهدة تعلم. وفي (ض): لأن المشاهد يعلم.

(٣) في (أ): علم ضروري. وفي (ص): علما ضروريا.

(٤) في (ش): ويمكن أن يكون سأل ربه.