حقائق المعرفة في علم الكلام،

أحمد بن سليمان (المتوكل) (المتوفى: 566 هـ)

فصل في الكلام فيما اتفق عليه أهل القبلة وما اختلفوا فيه من التوحيد

صفحة 184 - الجزء 1

  كسؤالهم لكان معاقبا مثلهم. وقد حكى اللّه عن موسى # أنه نسب ذلك إلى بعض قومه، ونفاه عن نفسه بقوله: {أَ تُهْلِكُنا بِما فَعَلَ السُّفَهاءُ مِنَّا}⁣[الأعراف: ١٥٥]. وأما توبة موسى فإنها من سؤاله البيان قبل الاستئذان.

  والأنبياء لا يقيمون على صغيرة ولا يسألون ربّهم حتى يستأذنوه؛ قال اللّه تعالى حاكيا عن نوح: {وَنادى نُوحٌ رَبَّهُ فَقالَ رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنْتَ أَحْكَمُ الْحاكِمِينَ ٤٥ قالَ يا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صالِحٍ فَلا تَسْئَلْنِ ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجاهِلِينَ ٤٦ قالَ رَبِّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَسْئَلَكَ ما لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَإِلَّا تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي أَكُنْ مِنَ الْخاسِرِينَ}⁣[هود: ٤٥ - ٤٧]، فاستغفر ربّه من سؤاله⁣(⁣١) قبل استئذانه. ولو كان موسى سأل ربه أن يريه نفسه، كما سأله قومه، لأصابه ما أصابهم من العقوبة، ولما قال: {أَ تُهْلِكُنا بِما فَعَلَ السُّفَهاءُ مِنَّا} وقد حكى اللّه قولهم فقال: {وَإِذْ قُلْتُمْ يا مُوسى لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْكُمُ الصَّاعِقَةُ ...}⁣[البقرة: ٥٥]، وقال عزّ من قائل لنبيّنا ÷:

  {يَسْئَلُكَ أَهْلُ الْكِتابِ أَنْ تُنَزِّلَ عَلَيْهِمْ كِتاباً مِنَ السَّماءِ فَقَدْ سَأَلُوا مُوسى أَكْبَرَ مِنْ ذلِكَ فَقالُوا أَرِنَا اللَّهَ جَهْرَةً ...} الآية [النساء: ١٥٣]، فلو كان يجوز أن يرى⁣(⁣٢) في وقت من الأوقات، لما عاقبهم اللّه على ما يجوز في وقت من الأوقات. ألا ترى أن العبد يسأل ربّه وهو في الدنيا المغفرة والجنّة والثواب فلا يعاقب في ذلك. وقد سأل قوم عيسى صلى اللّه عليه المائدة فلم يعاقبوا بسؤالهم ذلك قبل وقته؛ فبطل قول المشبهة.

  وقد وردت الأخبار عن النبيء ÷ تعارض خبر المشبهة،


(١) في (ض): عن سؤاله.

(٢) في (ش): فلو جاز أن يرى.