حقائق المعرفة في علم الكلام،

أحمد بن سليمان (المتوكل) (المتوفى: 566 هـ)

فصل في الكلام في الإرادة

صفحة 200 - الجزء 1

  فمن كان فيه بعض هذه الصفات لم يؤمن منه فعل القبيح، أو الرّضى به، أو الأمر به⁣(⁣١)، مع أن فاعله وإن كان بهذه الصفات مذموما بفعله للقبيح، أو أمره به، أو رضاه به.

  وكلّ مكلّف من موحّد أو ملحد يستحسن فعل الحسن ويحبّ أن يذكر به، ويستقبح القبيح⁣(⁣٢) ويكره أن يذكر به. ألا ترى أن الملحد لو رأى صبيا يريد أن يتردّى في بئر أو في نار، أو يمدّ يده ليلزم حيّة، أنه يمنعه من ذلك، ويستحسن منعه، ويستقبح تركه وإن لم يكن برحم؟

  فإذا كان فعل القبيح يقبح بالعبد الجاهل المحتاج الضعيف، فكيف لا يقبح من العالم الحكيم القادر؟ فوجب أن يكون القديم تعالى منزّها متعاليا عن فعل القبيح. لأنه تعالى عالم بقبح القبيح، ولأنه غير محتاج إليه، لا لجرّ نفع إليه، ولا لدفع ضرر عنه، ولا لسخف رأي، ولا لطمع فيما ليس له، ولا لمشورة مضلّ أو جاهل. فلما كان منزّها عن فعل القبيح⁣(⁣٣)، وكان الظلم والجور والكذب وخلف الوعد والوعيد، وفعل الفواحش وجميع المنكرات قبيحا، والرّضى بذلك والأمر به، صحّ أن اللّه تعالى لا يفعل شيئا من ذلك ولا يرضى به ولا يأمر به، ولو فعل ذلك لدخل عليه من النقص والذم أكثر مما يدخل على العبد؛ لأنه عالم لذاته، قادر لذاته، والعبد جاهل محتاج، فكان ذمّ العبد أقلّ لجهله وحاجته. ألا ترى أن العالم الغنيّ من النّاس إذا فعل قبيحا؛ كان ذمّه عند الناس ولومه أكثر من ذمّ الجاهل الفقير إذا فعل


(١) في (ص): والرضى والأمر به.

(٢) في (ع): ويستقبح فعل القبيح.

(٣) في (ث): من فعل القبيح.