حقائق المعرفة في علم الكلام،

أحمد بن سليمان (المتوكل) (المتوفى: 566 هـ)

فصل في الكلام في الإرادة

صفحة 201 - الجزء 1

  مثل فعل العالم؟ فصحّ أن اللّه تعالى لا يفعل ظلما ولا جورا، ولا يجبر الخلق على فعل، ولا يكلّف أحدا فوق طاقته، ولا يفعل قبيحا، ولا يريده، ولا يحبه، ولا يرضاه، ولا يأمر به، ولا يكذب، ولا يخلف وعدا ولا وعيدا؛ قال عز من قائل: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسانِ وَإِيتاءِ ذِي الْقُرْبى وَيَنْهى عَنِ الْفَحْشاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ}⁣[النحل: ٩٠]، فصحّ أن اللّه عادل، وأنه منزّه عن القبائح.

  فإن اعترض علينا معترض في هذه الجملة فقال: إنه قد يوجد في خلق اللّه القبيح والناقص، كالسّباع والهوامّ والقمل والدّود والذّباب والبقّ، وما لا صلاح ظاهرا في خلقه، وكالصورة القبيحة من الناس، وكمن يولد أعمى، أو أصمّ، أو مقعدا، أو ناقصا في جوارحه، كأن يولد بغير يدين أو شبه ذلك.

  قلنا: لا يلزمنا هذا الاعتراض؛ لأن فعل جميع هذه الأشياء حسن وليس بقبيح - وإن قبح عند الجهّال. فأما من أنصف عقله⁣(⁣١)، وفكّر في حكمة اللّه، ونظر في دقائق التدبير فإن عقله يحكم بأن فعل هذه الأشياء التي يستقبح فعلها الجهّال حسن وصواب في الحكمة والتدبير⁣(⁣٢)، إما في الحال أو في المآل، وإما لها وإما لغيرها. فإنك إذا نظرت وفكّرت في خلق السّباع والحيّات والعقارب؛ وجدت في خلقها وكونها مصالح للعبد؛ منها أنها تذكّر بمصائب الآخرة وهوامّها، ولعل عبدا موقنا⁣(⁣٣) إذا رآها ذكّرته العقاب ويوم الحساب فازدجر واتّعظ.


(١) في (ع): فمن أنصف عقله.

(٢) في (ض): من الحكمة والتدبير.

(٣) في (ث): ولعل عبدا موفّقا موقنا.