حقائق المعرفة في علم الكلام،

أحمد بن سليمان (المتوكل) (المتوفى: 566 هـ)

فصل في الكلام في الإرادة

صفحة 202 - الجزء 1

  ومنها أن من نظرها وفكّر في حالها علم أنها بليّة ابتلى اللّه بها العباد ليصغر الدنيا⁣(⁣١) في أعينهم ويزهدهم⁣(⁣٢) في نعمها، إذ لو كان فيها نعيم دائم لم يكن فيها هذه الأشياء.

  ومنها أن من أراد السّرى⁣(⁣٣) في ما لا يرضاه اللّه، وذكرها، امتنع من السّرى من خوفها. وهذه الأشياء تدلّ على أن فعل اللّه لها حسن وأنه غير قبيح. وكذلك الدّود والقمل والبقّ والبعوض والذباب⁣(⁣٤) وجميع ما يؤذي الإنسان فيها مصالح، عرفها من عرفها، وجهلها من جهلها؛ وجملتها البليّة والتّذكير، وتصغير الدنيا في أعين الناس.

  فأما قبح خلق بعض الناس والنقصان الذي يكون فيه فليس ذلك بقبيح قطعا وإن قبح في أعين الناس، بل هو حسن، وذلك أن المنقوص ينتفع بما نقص فيه في الحال وفي المآل؛ أما في الحال فيمنعه النّقصان عن ارتكاب المعاصي، وتصغر في عينه الدنيا، ويخفّف عليه التكليف.

  وأما في المآل فإنه بليّة ابتلاه اللّه بها، فإن صبر عليها عوّضه اللّه في الآخرة أفضل مما نقصه في الدنيا؛ من تمام الخلق والزيادة في الدّرجات.

  وكذلك من يكون خلقه جافيا يستقبحه الناس، فإذا صبر⁣(⁣٥) على البليّة عوّضه اللّه أضعاف ذلك. وإذا رأى حسن الخلق الكامل


(١) في (ج، ض، أ): لتصغر الدنيا.

(٢) في (ض): وتزهدهم.

(٣) في (ع، ل): أراد أن يسري.

(٤) في (ب، ع): والذّبان.

(٥) في (ب، ت، ع): فإنه إذا صبر.