حقائق المعرفة في علم الكلام،

أحمد بن سليمان (المتوكل) (المتوفى: 566 هـ)

فصل في الكلام في الاستطاعة

صفحة 222 - الجزء 1

  ظلما وعبثا. ألا ترى أنه لو كلّف العاصي الطّاعة وسلبه الاستطاعة ثم عذّبه لكان ظلما⁣(⁣١)؟ - تعالى اللّه عن ذلك علوّا كبيرا.

  والدليل على أن الاستطاعة جسم وعرض أنه لولا الآلة لم يكن الإنسان مستطيعا بقوة النفس، ولولا قوة النفس لم يكن مستطيعا بالجوارح، وقد تكون الاستطاعة قوّة النفس، والآلة مستطيعة.

  ومما يدل على أن الاستطاعة قبل الفعل أن سلطانا لو كلّف نجّارا، أو صائغا⁣(⁣٢)، أو حدّادا، على عمل من الأعمال⁣(⁣٣) وليس لأيهم شيء من آلات الصناعة، ولا قوّة نفوس⁣(⁣٤)؛ أنه لا يتم لهم صنع شيء مما كلّفهم عليه إلا أن تكون قد حصلت لهم الآلة والقوّة. ألا ترى أنه كلّفهم ما لا يطيقون، وظلمهم في تكليفه لهم المعسور. وكذلك الطّفل إذا كلّف عمل شيء يكون من يكلّفه ما لا يطيق ظالما.

  وكذلك إذا كلّف اللّه عبدا عمل شيء، ولم يكن قد أعطاه الاستطاعة عليه يكون ظالما في تكليفه للعبد ما لا يطيق، وأعظم من ذلك: أن يسلب الكافر⁣(⁣٥) الاستطاعة على الإيمان ثم يعذبه ويتوعده⁣(⁣٦) بأصناف العذاب إذا لم يفعل ما لا يطيق، فهل هذا إلا صريح الظلم وخلاف العدل؟! تعالى اللّه عن ذلك علوّا كبيرا؛ قال اللّه تعالى: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا}⁣[آل عمران: ٩٧].


(١) في (ع، ش): ثم عذبه كان ظالما.

(٢) في (ص): أو صانعا.

(٣) في (ش، ع، ب): على عمل عمل من هذه الأعمال.

(٤) في (ص، ل): ولا قوة النفس. وفي (ش): ولا قوة نفس.

(٥) في (ب، ص): إذا سلب الكافر.

(٦) في (ص): ثم يعذبه، ويوعده. وفي (ن): ثم يعذبه ويتوعده.