فصل في الكلام في الوعد والوعيد
  وقالت الحشوية، والمرجئة: لا يستحق أهل القبلة العذاب، واستدلّوا بقول اللّه تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ}[النساء: ٤٨]، ونفوا المنزلة بين المنزلتين. وقالوا: الناس مؤمن وكافر، وحجتهم قول اللّه تعالى: {هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ فَمِنْكُمْ كافِرٌ وَمِنْكُمْ مُؤْمِنٌ}[التغابن: ٢].
  وقالت المرجئة: يجوز أن يعذبهم، ويجوز أن يعفو عنهم، وهو قول بعض المعتزلة، وعلتهم أنهم قالوا: ليس العفو بقبيح(١)، ألا ترى أن إنسانا لو توعد(٢) عبده بالعذاب والضّرب، والحبس ثم قدر عليه وعفا عنه أن ذلك لا يكون قبيحا.
  واستدلوا عليه بقول الشاعر:
  وإني إن أوعدته أو وعدته ... لمخلف إيعادي ومصدق موعدي(٣)
  وقد روي أن عمرو بن عبيد | تناظر هو ورجل من المرجئة، فاحتج المرجئ بقول الشاعر:
  لمخلف إيعادي ومصدق موعدي(٤)
  فاحتجّ عليه عمرو بن عبيد بقول اللّه تعالى: {وَنادى أَصْحابُ الْجَنَّةِ أَصْحابَ النَّارِ أَنْ قَدْ وَجَدْنا ما وَعَدَنا رَبُّنا حَقًّا فَهَلْ وَجَدْتُمْ ما وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقًّا قالُوا نَعَمْ}[الأعراف: ٤٤].
(١) في (ع): إن ذلك لا يكون بقبيح.
(٢) في (ب، ع، ش): لو وعد. وفي (أ): ألا ترى أن الإنسان لو أوعد.
(٣) في (أ): ليخلف إيعادي ويصدق موعدي.
(٤) في (أ): ليخلف إيعادي، ويصدق موعدي.