فصل في الكلام في الوعد والوعيد
  وبقول الشاعر:
  إن أبا ثابت لمجتمع الرّأي ... شريف الآباء والبيت
  لا يخلف الوعد والوعيد ... ولا يصبح من ثاره على فوت
  وقال قوم من المرجئة: يعذّبه اللّه في النار ثم يخرجه. استدلّوا(١) بما روي: «يخرج رجل من النار قد ذهب حبره وسبره»(٢).
  فنقول: إن من دخل الجنة لا يخرج منها أبدا، وهذا مجمع عليه؛ فكذلك(٣) من دخل النار لا يخرج منها أبدا.
  فأما قول اللّه تعالى: {ذلِكَ يَوْمٌ مَجْمُوعٌ لَهُ النَّاسُ وَذلِكَ يَوْمٌ مَشْهُودٌ ١٠٣ وَما نُؤَخِّرُهُ إِلَّا لِأَجَلٍ مَعْدُودٍ ١٠٤ يَوْمَ يَأْتِ لا تَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلَّا بِإِذْنِهِ فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ ١٠٥ فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا فَفِي النَّارِ لَهُمْ فِيها زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ ١٠٦ خالِدِينَ فِيها ما دامَتِ السَّماواتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا ما شاءَ رَبُّكَ إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِما يُرِيدُ ١٠٧ وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خالِدِينَ فِيها ما دامَتِ السَّماواتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا ما شاءَ رَبُّكَ عَطاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ}[هود: ١٠٣ - ١٠٨]، فإن الاستثناء هاهنا من الحكم في الدنيا للشقيّ باسم الشقاء(٤)، وللسعيد باسم السّعادة. وليست المشيئة بمستثناة من الخلود، وإنما هي مستثناة ممن حكم له في الدنيا باسم، ثم رجع عمّا كان عليه. تقديره: فأما الذين حكم عليهم باسم الشّقاء في الدنيا، ففي النار خالدين فيها، إلا أن يتوبوا في الدنيا. فهذا الاستثناء هو المراد
(١) في (ب، ع): واستدلوا.
(٢) (الحبر) بكسر الحاء المهملة، وقد تفتح، هو الجمال والهيئة الحسنة. و (السبر) بكسر السين المهملة، وقد تفتح، هو حسن الهيئة والجمال. تمت نهاية.
(٣) في (ص، ي): وكذلك.
(٤) في (ض): للأشقياء باسم الشقاء.