فصل في الكلام في حقيقة الشكر
فصل في الكلام في حقيقة الشكر
  اعلم أنه لما ثبت أن كلّ نعمة على العبد فهي من اللّه لقوله تعالى:
  {وَما بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ}[النحل: ٥٣]، وقوله: {ما أَصابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَما أَصابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ}[النساء: ٧٩]، وجب أن يشكره عبده على كل نعمة أنعمها عليه، لقوله تعالى: {إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤادَ كُلُّ أُولئِكَ كانَ عَنْهُ مَسْؤُلًا}[الإسراء: ٣٦]، وقال: {ثُمَّ لَتُسْئَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ}[التكاثر: ٨].
  واعلم أن العبد لا يقدر [على](١) أن يبلغ غاية شكر اللّه كما لا يحصي عدّ نعم اللّه، ولا يتم ذلك لبشر كائنا من كان، لقول اللّه تعالى: {وَلَوْ يُؤاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِما كَسَبُوا ما تَرَكَ عَلى ظَهْرِها مِنْ دَابَّةٍ}[فاطر: ٤٥]، وقد حكى اللّه عن الأنبياء $ التوبة والاستغفار، فقال تعالى(٢) - حاكيا عن آدم # وحوّاء: {قالا رَبَّنا ظَلَمْنا أَنْفُسَنا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنا وَتَرْحَمْنا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخاسِرِينَ}[الأعراف: ٢٣]، وقال تعالى - حاكيا عن نوح #: {رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوالِدَيَّ وَلِمَنْ دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِناً وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ}[نوح: ٢٨]، وقال تعالى - حاكيا عن إبراهيم #: {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي وَهَبَ لِي عَلَى الْكِبَرِ إِسْماعِيلَ وَإِسْحاقَ إِنَّ رَبِّي لَسَمِيعُ الدُّعاءِ ٣٩ رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلاةِ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي رَبَّنا وَتَقَبَّلْ دُعاءِ ٤٠ رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسابُ}[إبراهيم: ٣٩ - ٤١]، وقال تعالى - حاكيا عن موسى #: {قالَ رَبِّ
(١) زيادة في (ش، م، س).
(٢) في (أ): قال تعالى.