حقائق المعرفة في علم الكلام،

أحمد بن سليمان (المتوكل) (المتوفى: 566 هـ)

فصل في الكلام في التجارة

صفحة 302 - الجزء 1

  فأعطى اللّه عباده الثواب الجزيل، واستقرضهم بما أعطاهم القليل ثم ذخره لهم إلى وقت حاجتهم إليه، وكثّره لهم وزاد عليه.

  ثم أخبرنا بما يبطل الصدقات فقال عزّ من قائل: {يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُبْطِلُوا صَدَقاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذى كَالَّذِي يُنْفِقُ مالَهُ رِئاءَ النَّاسِ}⁣[البقرة: ٢٦٤]، وقال تعالى: {أَ يَوَدُّ أَحَدُكُمْ أَنْ تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنابٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ لَهُ فِيها مِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ وَأَصابَهُ الْكِبَرُ وَلَهُ ذُرِّيَّةٌ ضُعَفاءُ فَأَصابَها إِعْصارٌ فِيهِ نارٌ فَاحْتَرَقَتْ كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآياتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ}⁣[البقرة: ٢٦٦]. فمثّل اللّه تعالى من يكون له عمل صالح يستحقّ به الجنّة، فيبطله، بمن يكون له في الدنيا جنّة من نخيل على ما وصف، فتصيبها ريح فيها نار فتحرقها فاحترقت. وقوله تعالى: {وَأَصابَهُ الْكِبَرُ} يريد أنه يكون يوم القيامة كمن أصابه الكبر في الدنيا لا يمكنه أن يستعيض جنّة أخرى.

  وقوله: {وَلَهُ ذُرِّيَّةٌ ضُعَفاءُ} يقول: إنه محتاج إليها كما يحتاج الشيخ الكبير الذي له ذرية ضعفاء إلى من يقوم⁣(⁣١) به وبذريته.

  وقال تعالى: {يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أَصْواتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمالُكُمْ وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ}⁣[الحجرات: ٢]، وقال تعالى: {ذلِكَ بِأَنَّهُمُ اتَّبَعُوا ما أَسْخَطَ اللَّهَ وَكَرِهُوا رِضْوانَهُ فَأَحْبَطَ أَعْمالَهُمْ}⁣[محمد: ٢٨]، وقال تعالى: {قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمالًا ١٠٣ الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً}⁣[الكهف: ١٠٣ - ١٠٤]. ثم أخبرنا بصفة الصالحين فقال تعالى: {التَّائِبُونَ الْعابِدُونَ الْحامِدُونَ السَّائِحُونَ الرَّاكِعُونَ السَّاجِدُونَ الْآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ


(١) في (ج، م): إلى ما يقوم.