فصل في الكلام في التجارة
  واعلم أنه يجب على تاجر الآخرة أن يكون على تجارته أشد حرصا واجتهادا من تاجر الدنيا على تجارته؛ لأن تجار الدنيا يجتهدون في تجارتهم(١)، وينفقون فيها نفوسهم وأموالهم، ويسهرون الليل، ويخدمون، ويجوعون ويعطشون، ويخافون ويعرون، ويصبرون على ما قابلهم من الشرور والمحن.
  ورأيناهم يعملون أفكارهم فيما يصلح تجارتهم، ويتدبرون عاقبة تجارتهم فإن علموا فيها ربحا تقدّموا فيها، وإن علموا فيها خسرانا توقّفوا. وإذا ابتاع رجل منهم شيئا بدينار اجتهد في أخذ الجيّد، واستشار فيه من يعرفه، واستنقده ولم يرض بنقّاد واحد.
  فإذا كان هذا فعال تاجر الدنيا فتاجر الآخرة أحقّ بالحرص والاجتهاد وإعمال الفكر في سلامة رأس المال وحصول الرّبح. وكذلك يجب أن يكون اجتهاده في انتقاد دينه(٢) ومعرفة من يأخذه عنه أشدّ من اجتهاد تاجر الدنيا في استنقاد ديناره، وقد روي عن أنس قال: قال رسول اللّه ÷: «إن هذا العلم دين فانظروا عمن تأخذون دينكم».
  واعلم أن تاجر الدنيا يستكثر من التجارة التي يعلم أن له فيها ربحا حتّى أنه لا يقنع بتجارته بنفسه حتى يستعين غيره يتّجر له، ويستأجر آخرين، ويشارك آخرين، حتّى يجتمع له الربح من مواضع كثيرة، فكذلك يجب(٣) على تاجر الآخرة أن يستكثر من الأرباح،
(١) في (س، د): يجهدون أنفسهم في تجارتهم.
(٢) في (ي): في إنقاذ دينه. وفي (ط): في إنقاد دينه.
(٣) في (ت): كذلك يجب.