فصل في الكلام في الموت
  مشاهدتين في الدنيا لم يكن إيمان من يؤمن بهما عجيبا، ولا كان من يعمل للجنة المشاهدة ويخاف النار المشاهدة مستحقّا للأجر؛ لأن البهائم قد تستجلب المنافع المشاهدة، وتنفر عن المضار المشاهدة، فصح أن اللّه جعل الموت بليّة، وأن من آمن بالغيب يكون مستحقّا للثواب، ومن كذّب به يكون مستحقا للعذاب؛ قال اللّه تعالى:
  {ألم ١ ذلِكَ الْكِتابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدىً لِلْمُتَّقِينَ ٢ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ}[البقرة: ١ - ٣]، فمدح اللّه من يؤمن بالغيب.
  وأما البلية الخاصّة لعيال الميّت وأقاربه وأصحابه: فإن اللّه تعالى جعل الناس يحتاج بعضهم إلى بعض، ولم يجعل لبعضهم غنى عن بعض، وقد روي عن أمير المؤمنين # قال: قلت وأنا عند النبيء ÷: (اللهم لا تحوجني إلى أحد من خلقك). فقال النبيء ÷: «مه يا عليّ لا تقولن هكذا، فإنه ليس أحد إلا وهو يحتاج(١) إلى الناس، قال: فقلت: كيف أقول(٢) يا رسول اللّه؟ قال:
  قل: اللهم لا تحوجني إلى شرار خلقك. قال: قلت: يا رسول اللّه ومن شرار خلقه؟ قال: الذين إذا أعطوا منّوا وإذا منعوا عابوا». فصح أن موت الإنسان بليّة لمن كان محتاجا إلى الميّت.
  وأما البليّة التي تخصّه في نفسه، فهدم ما كان منه مبنيّا، ومصيره إلى الضّعف بعد ما كان قويّا، وكونه مواتا جمادا بعد ما كان(٣) حيوانا
(١) في (ص): إلا وهو محتاج.
(٢) في (أ): فكيف أقول.
(٣) في (ش، ع، ب): بعد أن كان.