حقائق المعرفة في علم الكلام،

أحمد بن سليمان (المتوكل) (المتوفى: 566 هـ)

فصل في الكلام في الموت

صفحة 328 - الجزء 1

  سويّا⁣(⁣١) مع تجرّعه للمرارات، وكونه من الموت في الغمرات والألم الشديد، والكرب المفني له المبيد، وحسرة الولي وغمه، وشماتة العدوّ العنيد⁣(⁣٢)، ومفارقته لما يحبّ من الناس والأموال والعافية والسّلامة والجمال، وكفى بالموت واعظا وزاجرا عن المحرّمات، ومرغّبا في أفعال الطاعات، فلو لم يشاهد الإنسان العاقل ميّتا ولم يره ثم أخبر عنه مخبر صادق لوجب أن يخاف الموت ويزهد⁣(⁣٣) في الدنيا الفانية، ويرغب في الآخرة الباقية؛ فكيف وهو يشاهد أباه وولده وأخاه وصاحبته وأمته وأولياءه تنزع أرواحهم في حجره ثم يحمل الواحد منهم فيدفنه⁣(⁣٤) في قبره، ثم ينسى ذلك ويلهو بفسقه وكفره، قال اللّه تعالى: {قُتِلَ الْإِنْسانُ ما أَكْفَرَهُ ١٧ مِنْ أَيِّ شَيْءٍ خَلَقَهُ ١٨ مِنْ نُطْفَةٍ خَلَقَهُ فَقَدَّرَهُ ١٩ ثُمَّ السَّبِيلَ يَسَّرَهُ ٢٠ ثُمَّ أَماتَهُ فَأَقْبَرَهُ ٢١ ثُمَّ إِذا شاءَ أَنْشَرَهُ ٢٢ كَلَّا لَمَّا يَقْضِ ما أَمَرَهُ}⁣[عبس: ١٧ - ٢٣].

  واعلم أن الصبر على الموت هو الرضا به، وترك السخط منه؛ ولأنه لا بد⁣(⁣٥) لكل نفس من الموت لمن صبر ولمن لم يصبر؛ قال اللّه تعالى: {كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ}⁣[آل عمران: ١٨٥]، وقال تعالى: {كُلُّ مَنْ عَلَيْها فانٍ ٢٦ وَيَبْقى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالْإِكْرامِ}⁣[الرحمن: ٢٦ - ٢٧].

  واعلم أن اللّه تعالى أخفى وقت الساعة ووقت هجوم الموت


(١) في (ط): حيّا سويّا.

(٢) في (س): العدوّ والعنيد.

(٣) في (ص): فيزهد.

(٤) في (ص): ويدفنه.

(٥) في (س، ش): وأنه لا بد.