فصل في الكلام في الآجال
  وتركه، ومكّنهم وخلاهم للبلية. وقد يصرف التّعدّي والظلم عن بعض خلقه لمصلحة في ذلك، ويكون الصّرف منه باللطف، ويكون بالقهر كصرفه لفرعون عن موسى # في صغره باللطف، فإن اللّه أوجد له في قلب فرعون وقلب امرأته رحمة ورأفة، وصرفه عنه في كبره بالقهر حيث فرق(١) له البحر فأنجى وليّه وأغرق عدوه، وذلك لما أراد من موسى # من تبليغ الرسالة والهدى للناس من الجهل والضلالة والردى. وكذلك(٢) إبراهيم # لما رمي به في النار فجعلها اللّه(٣) بردا وسلاما، وكذلك(٤) عيسى بن مريم # فإن اللّه فداه ببعض الذين أرادوا قتله، قال اللّه تعالى: {وَما قَتَلُوهُ وَما صَلَبُوهُ وَلكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ}[النساء: ١٥٧].
  فأما من لم يصرف عنه ظلم ظالمه فوجه الحكمة في هذه البليّة من اللّه أنه يعيض القتيل المؤمن المظلوم في الجنة ثوابا عظيما، ويعذّب الظالم له عذابا أليما، وذلك لأن الدنيا فانية وعذابها فان، وكذلك(٥) نعيمها فان، والآخرة باقية ونعيمها باق، وكذلك عذابها باق، فاختار اللّه لأوليائه الآخرة ونعيمها، قال عز من قائل: {إِنَّ اللَّهَ اشْتَرى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْداً عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْراةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ
(١) في (ص، ش): حين فرق.
(٢) في (ع): وكذا.
(٣) في (ج): فجعلها اللّه عليه. وفي (ش): جعلها اللّه
(٤) في (ع): وكذا.
(٥) في (ع): وكذا.