فصل في الكلام في الآجال
  فأين المساواة من اللّه؟ إلا أن يقولوا: ليس الغيث من اللّه، والريح والجراد والبرد؛ فإن قالوا ذلك جحدوا بعض خلق اللّه وبليته ونعمته؛ وقد قال اللّه تعالى: {وَاللَّهُ فَضَّلَ بَعْضَكُمْ عَلى بَعْضٍ فِي الرِّزْقِ}[النحل: ٧١]، وقال تعالى: {يَخْلُقُ ما يَشاءُ يَهَبُ لِمَنْ يَشاءُ إِناثاً وَيَهَبُ لِمَنْ يَشاءُ الذُّكُورَ ٤٩ أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْراناً وَإِناثاً وَيَجْعَلُ مَنْ يَشاءُ عَقِيماً إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ}[الشورى: ٤٩ - ٥٠].
  وأيضا فإن المواريث رزق من اللّه بالإجماع، وليست المواريث سواء؛ وقد جعل اللّه لبعض الورثة كل المال، ولبعضهم نصفه، وجعل لبعضهم ثلثه، ومنهم من جعل له الربع، ومنهم من جعل له السدس، ومنهم من جعل له الثمن، فأين المساواة من اللّه في المواريث؟ فهذا منهم غلط في الحساب وفي اعتقادهم! وأعجب من هذا في المواريث: أنه لو ماتت امرأة(١) وتركت زوجها وأمها، وإخوتها لأمها، وأخاها لأبيها وأمها؛ أنه يقضى لزوجها من مالها بالنصف، ولأمها بالسدس، ولإخوتها لأمها الثلث، ولا شيء لأخيها لأبيها وأمّها، فبطل ما قالوا من المساواة في الرزق.
  وأما قولهم: (إن اللّه ساوى بين الناس في الموت والحياة) فإن اللّه لم يساو بينهم في الموت والحياة فيما زاد على مائة وعشرين سنة، وقد فرق بينهم في الموت والعمر فيما فوق مائة وعشرين، فمن الناس من عمّر مائة وثلاثين وأكثر من ذلك إلى ألف سنة؛ قال اللّه تعالى في نوح #: {فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عاماً}[العنكبوت: ١٤]، وكما(٢)
(١) في (ش): فإنه لو ماتت امرأة.
(٢) في (ص): فكما.