حقائق المعرفة في علم الكلام،

أحمد بن سليمان (المتوكل) (المتوفى: 566 هـ)

فصل في الكلام في الاختلاف في الكتاب

صفحة 416 - الجزء 1

  المصطفى؛ وقد حكى اللّه مثل ذلك فقال: {وَما كانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْياً أَوْ مِنْ وَراءِ حِجابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ ما يَشاءُ إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ ٥١ وَكَذلِكَ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنا ما كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتابُ ...} الآية [الشورى: ٥١ - ٥٢]، فصحّ أن كلام اللّه هو الوحي، و (أنه)⁣(⁣١) ليس بنطق كما قالت المشبهة. وصح أن كلام اللّه محدث مخلوق.

  وأما قوله تعالى: {أَوْ مِنْ وَراءِ حِجابٍ} أراد: أو كلاما يسمعه العبد من غير ناطق مشاهد، كما سمع موسى - صلى اللّه عليه - الكلام من الشجرة. وليس بين اللّه وبين خلقه حجاب؛ لأنه لو كان بينه وبين خلقه حجاب لكان مشابها لخلقه، ولكان غائبا عن المحتجب منه، تعالى اللّه عن ذلك علوّا كبيرا. وقد روي عن الحارث عن علي أمير المؤمنين # أنه دخل السوق فإذا هو برجل مولّ ظهره يقول:

  لا والذي احتجب بالسبع. فضربه عليّ # على ظهره ثم قال: من الذي احتجب بالسبع؟ قال: اللّه، يا أمير المؤمنين. قال: أخطأت ثكلتك أمك إن اللّه ø ليس بينه وبين خلقه حجاب؛ لأنه معهم أينما كانوا، قال: فما كفارة⁣(⁣٢) ما قلت يا أمير المؤمنين؟ قال: اللّه معك أينما كنت. قال: أطعم المساكين؟ قال: لا إنما حلفت بغير ربك.

  فلما كان العلم من اللّه لا يصل إلى الناس إلا من الوحي، وكان الوحي لا يصلح إلى كل الناس لوجوه:

  منها أنه لو كان يوحى إلى كل إنسان في نفسه لكان ذلك سببا لفساد


(١) ساقط في (ص).

(٢) في (ش، ص، ع): ما كفارة.