فصل في الكلام في اختلاف الأمة في إمامة علي بن أبي طالب #
  وعثمان وعبد الرحمن بن عوف، وسالم مولى أبي حذيفة، والأشعث بن قيس، وأبو موسى الأشعري، وقنفذ مولى عمر، مع كل رجل منهم عشرة رجال، شاهرين أسيافهم، حتى أخرجوه من منزله، وعلا المنبر فخطب، وجعلوا يدورون في المدينة وهم يقولون:
  واللّه لئن عاد أحد إلى مثل ما تكلم به بالأمس لنعلونّه بأسيافنا، فأمسك القوم عند ذلك ولم يردوا جوابا.
  فأين الإجماع من الأمة؟ وهؤلاء كبار الصحابة(١) وعلماء الأمة أنكروا ذلك. فأما إجماع من لا يعتد به من الجهال [ومن الرعية](٢) فليس إجماعهم بحجة؛ لأن اللّه تعالى ذكر أمم الأنبياء بالتكذيب قال تعالى: {كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَأَصْحابُ الرَّسِّ وَثَمُودُ ١٢ وَعادٌ وَفِرْعَوْنُ وَإِخْوانُ لُوطٍ}[ق: ١٢ - ١٣]، وحكى قول نوح #: {قالَ نُوحٌ رَبِّ لا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكافِرِينَ دَيَّاراً ٢٦ إِنَّكَ إِنْ تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبادَكَ وَلا يَلِدُوا إِلَّا فاجِراً كَفَّاراً}[نوح: ٢٦ - ٢٧]، وقد أخبرنا اللّه تعالى أنه ما آمن للرسل(٣) إلا الأقل من أممهم فقال تعالى: {وَما آمَنَ مَعَهُ إِلَّا قَلِيلٌ}[هود: ٤٠]، وقال:
  {فَشَرِبُوا مِنْهُ إِلَّا قَلِيلًا}[البقرة: ٢٤٩]، وقال تعالى: {اعْمَلُوا آلَ داوُدَ شُكْراً وَقَلِيلٌ مِنْ عِبادِيَ الشَّكُورُ}[سبأ: ١٣]. وقال - فيما حكاه عن داود #:
  {وَإِنَّ كَثِيراً مِنَ الْخُلَطاءِ لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَقَلِيلٌ ما هُمْ}[ص: ٢٤]، وقال تعالى: {وَالْعَصْرِ ١ إِنَّ الْإِنْسانَ لَفِي خُسْرٍ ٢ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ}[العصر: ١ - ٣] ولا يستثنى من الشيء
(١) في (ل): كبراء الصحابة.
(٢) زيادة في (ي).
(٣) في (ع): بالرسل.