حقائق المعرفة في علم الكلام،

أحمد بن سليمان (المتوكل) (المتوفى: 566 هـ)

فصل في الكلام في الأئمة من بعدهما

صفحة 472 - الجزء 1

  فثبت أنهم ولاة الأمر، وقال اللّه تعالى: {ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنا مِنْ عِبادِنا فَمِنْهُمْ ظالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سابِقٌ بِالْخَيْراتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ذلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ}⁣[فاطر: ٣٢]، فصحّ أن أهل الصّفوة الذين أورثهم اللّه كتابه هم الذين أمر اللّه بمودّتهم؛ وهم: علي والحسن والحسين وأولادهما.

  وقوله: {فَمِنْهُمْ ظالِمٌ لِنَفْسِهِ} فإنه أراد أنه منهم في النسب، وقد ظلم نفسه وأخرجها من الطاعة لربه إذ لم يحل بينه وبين ما أراد اللّه منه إلا نفسه، وهو العاصي لربّه المضيّع لحقّه.

  وقوله: {وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ} يريد أن منهم من لم يبلغ⁣(⁣١) درجة الإمامة، وهو من حدّ العالم الذي لم يدّع الإمامة إلى حدّ المتعلّم المطيع لربّه، وكل هؤلاء مقتصد عن درجة السّبق، وليس اقتصادهم بسواء، منهم من لم يمنعه من القيام إلا عدم الأنصار، ومنهم من هو دون ذلك.

  وقوله: {وَمِنْهُمْ سابِقٌ بِالْخَيْراتِ بِإِذْنِ اللَّهِ} يريد الإمام الذي دعا الناس إلى طاعة ربه، وباين الظالمين، وعادى الفاسقين، فذلك هو السّابق، ويبين ذلك ما يتلو هذه الآية من قوله: {جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَها يُحَلَّوْنَ فِيها مِنْ أَساوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤاً وَلِباسُهُمْ فِيها حَرِيرٌ}⁣[فاطر: ٣٣]، فوعد المحسنين السابقين، والمقتصدين، وأوعد الظالمين فقال: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ نارُ جَهَنَّمَ لا يُقْضى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا وَلا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِنْ عَذابِها ...} إلى قوله: {فَذُوقُوا فَما لِلظَّالِمِينَ مِنْ نَصِيرٍ}⁣[فاطر: ٣٦ - ٣٧]، فبيّن أنهم الذين عنى بقوله: {فَمِنْهُمْ ظالِمٌ لِنَفْسِهِ} وذكر الكفر هاهنا هو يجمع كفر الجحدان وكفر النعمة،


(١) في (ج): من لا يبلغ.