فصل في الكلام في فرق الشيعة
  ما شئتم فقد حلّلت لكم(١) الحرام وحرّمت عليكم الحلال، ودسست في مذهبكم أربعة آلاف حديث. وروى عن عمر أنه كان ينكر على أبي هريرة كثرة الرواية عن النبيء ÷، وقال له: لتقلّن الرواية عن رسول اللّه ÷ أو لأنفيك إلى جبال دوس.
  فهذه الأمور التي ذكرناها هي سبب الاختلاف. وقد جعل اللّه سبب الاختلاف بليّة لعباده؛ لأن يرجعوا إلى أولي الأمر منهم وهم أهل بيت نبيئهم ÷ وقد قال تعالى: {وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ}[الشورى: ١٠] أراد بقوله: {فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ} أن يردّوا ما اختلفوا فيه إلى من أمرهم اللّه(٢) بردّه إليهم حيث يقول تعالى: {وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ}[النساء: ٨٣]، وقد ذكر اللّه تعالى الاختلاف فقال عزّ من قائل: {كانَ النَّاسُ أُمَّةً واحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلَّا الَّذِينَ أُوتُوهُ مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْهُمُ الْبَيِّناتُ بَغْياً بَيْنَهُمْ فَهَدَى اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ وَاللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ}[البقرة: ٢١٣]، وقال تعالى: {وَلا يَزالُونَ مُخْتَلِفِينَ ١١٨ إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذلِكَ خَلَقَهُمْ}[هود: ١١٨ - ١١٩]، يريد: أنه خلقهم للرحمة، ولئلّا يخالف أهل الحق أهل الباطل. وقد روي عن أمير المؤمنين # قال: سألت النبيء ÷ لم أنزلت: {ألم ١ أَ حَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ ٢ وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكاذِبِينَ}[العنكبوت: ١ - ٣]؟ فقال رسول اللّه ÷: «يا علي ويا فاطمة،
(١) في (ع، ب): عليكم. وهو خطأ.
(٢) في (ص): إلى من أمر اللّه.