فصل في الكلام في العقل
  ذلِكَ لَذِكْرى لِمَنْ كانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ}[ق: ٣٧]، ونسوا قول اللّه تعالى: {أَ فَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِها أَوْ آذانٌ يَسْمَعُونَ بِها فَإِنَّها لا تَعْمَى الْأَبْصارُ وَلكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ}[الحج: ٤٦]، وقد فسّر الهادي إلى الحق #(١) قول اللّه تعالى:
  {لِمَنْ كانَ لَهُ قَلْبٌ}، قال: لمن كان له قلب يعقل به، ولو كان العقل هو القلب(٢)، لما حسد العاقل عليه، ولا ذمّ بنقصانه، ولا كان يزول عند النوم وشبهه، إذ ليس كل من له قلب بعاقل؛ كالطفل والمجنون والبهيمة؛ وكل من له عقل فله قلب.
  وقالت الفلاسفة: محل العقل الدّماغ، ودليلهم أنه عند فساد الدّماغ
(١) هو الإمام الهادي إلى الحق المبين أمير المؤمنين يحيى بن الحسين بن القاسم بن إبراهيم بن إسماعيل بن إبراهيم بن الحسن بن الحسن السبط بن أمير المؤمنين الإمام علي بن أبي طالب #. ولد # بالرس قرب المدينة المنورة سنة (٢٤٥ هـ) نشأ في بيت محفوف بالعلم والعمل والطهارة والزهد والورع والتقشف والعفة والعبادة.
طلب العلم في صغره حتى صار مبرزا في جميع العلوم، حافلا بمنطوقها والمفهوم، صاحب المذهب الشريف، والمنصب المنيف، والشجاعة التي ظهرت في الآفاق، وتحدثت بها الرّفاق في مواطن الاتفاق، وهو صاحب التصانيف الفائقة، والأشعار الفصيحة الرائقة، منقذ اليمن من الضلال، ومزلزل أركان الباطل والمحال، استدعاه أهل اليمن لما اشتد بهم الظلم والجور، فخرج من الرس إلى اليمن باذلا مهجته في رضاء رب العالمين، شاهرا سيفه على أهل الظلم وأهل الباطل والعناد، وعاضده على أمره العلماء الأتقياء من أهل مذهبه. وكانت اليمن في أشد الظلمات من تسلط الظلمة من جهة، وانتشار مذهب الجبرية من جهة ثانية، ومن جهة ثالثة وهي الطامة الكبرى، وهي انتشار مذهب القرامطة بقيادة علي بن الفضل وأتباعه لعنهم اللّه تعالى، فجاهد في سبيل اللّه وإعلاء كلمة اللّه، ونشر العدل والتوحيد في ربوع اليمن وأزال الظلم والجور، والمعاصي والفجور، وبسط الأمن والأمان، وقوى قواعد الإيمان، ولا زال مجاهدا محتسبا، وهو في علم وعمل، مع زهد وورع وتقى وعبادة وعفة وطهارة عن كل شبهة في أمور دينه ودنياه حتى توفي # في شهر الحجة سنة ٢٩٨ هـ وقبره بمسجده بمدينة صعدة مشهور مزور.
(٢) في (ع، ش): ولو كان القلب هو العقل.