فصل في الكلام في وجوب النظر والاستدلال
  ولا يبلغ العاقل درجة العقل إلا بنظر واستدلال. وهذا لا خلاف فيه. إلا ما روي عن داود الأصبهاني من قوله: بأن العقل ليس بدليل(١) ومن طابقه من الحشوية أهل الظاهر بعدم دلالة العقول. فأنكر ذلك عليهم جميع العلماء. وقال في ذلك ابن دريد يهجوهم:
  قال داود ذو الرقاعة والجهل ... بأن العقول ليست بحجة
  ولعمري لعقله ذلك العقل ... فما أن به يصاب محجّة(٢)
  ثم أصحابه يعومون عوما ... من ضلالات جهلهم وسط
  وقد تقدم الاحتجاج عليهم من العقل والكتاب والرسول والإجماع.
  واعلم أن في الكتاب محكما ومتشابها، وناسخا ومنسوخا. ولا يعلم المحكم من المتشابه ولا الناسخ من المنسوخ(٣) إلا بنظر واستدلال عقليّ؛ وكذلك السّنة وأخذها من الرّواة.
  واعلم أن الأخبار الواردة عن رسول اللّه ÷ على ثلاثة وجوه:
  فمنها: الخبر المشهور المستفيض الذي أجمعت عليه الأمة،
(١) في (ع): من قوله: لا اعتماد على العقول. وفي (ش): من قوله: بعدم دلالة العقل.
وفي (ص): من قوله: بعدم دلالة العقول.
(٢) في (ض): فما أن به تصاب محجّة.
(٣) في (ب، ص، ش، ع): والناسخ من المنسوخ.