فصل في الكلام في وجوب النظر والاستدلال
  وهو مثل: أن رسول اللّه ÷ دعا إلى اللّه، وأنّ القرآن أنزل عليه(١)، وأنه جاهد الكفّار ومن عند عن الحق. ومثل ما فعله وأمر به من الطهارة، والصلوات الخمس، والزكاة، والصوم، والحج، وأشباه ذلك؛ وهذا يعلم ضرورة؛ لأن الأمة على كثرتها واتّساع مساكنها، واختلاف ألسنتها وأحوالها لا تتّفق على كذب، ولقول رسول اللّه ÷: «لا تجتمع أمّتي على ضلالة».
  ومنها: الخبر المتواتر كقوله ÷: «عليّ مني بمنزلة هارون من موسى(٢) إلا أنه لا نبيء بعدي»، وهذا يعلم ضرورة، وليس كالأول، فلأن أكثر الفرق(٣) - فرق الإسلام - يروونه، ويعرفونه، ومنهم من رواه وتأوّله، وهذا لا يتأتّى فيه الكذب، ولا التواطؤ بين الرواة؛ لاختلاف أديانهم، وأحوالهم، وألسنتهم، وبعد أوطانهم.
  ومنها: خبر الآحاد وهو الذي يرويه الواحد، وهو يقبل بحسن الاجتهاد، وتغليب الظن(٤) في صدق راويه في الفروع والشرع. فأما في الأصول فلا يقبل خبر الآحاد لكثرة الرواة، وأهل التدليس في الإسلام من المنافقين والباطنيّة، وغيرهم من أعداء الرحمن، ولتحرصهم(٥) على إفساد أصول الدين على المسلمين كما قد رووا: «سترون ربكم كالقمر ليلة البدر لا تضامّون في رؤيته».
(١) في (ب، ت): وأن القرآن نزل عليه.
(٢) في (ب): أنت مني بمنزلة هارون من موسى. وفي (ض): «يا علي أنت مني بمنزلة هارون من موسى».
(٣) في (ب، ي): ولأن أكثر الفرق.
(٤) في (أ): وتغلبة الظن. وفي (ش): وبغلبة الظن.
(٥) في (ب، ع، ش): وتحريضهم.