فصل في الكلام في وجوب النظر والاستدلال
  أنه قال: «لا تجري الصدقة(١) في تمر، ولا زبيب، ولا حنطة، ولا ذرة، حتى يبلغ الشيء منها خمسة أوسق(٢)»، والوسق: ستون صاعا، وإنما قلنا إنه مثله؛ لأنه وافقه في أكثر أوصافه، وذلك أنه مما أخرجت الأرض، ومما يطعم ويقتات، وأنه مكيل، وليس كذلك قياس أبي حنيفة (في)(٣) الخل والنّبيذ وسائر المائعات(٤) على الماء؛ لأنه مخالف (له)(٥) في كل أوصافه، إلا في الرّقّة والصّفاء؛ وهو مخالف له في لونه وطعمه وريحه واسمه وحكمه، فهذا مما لا يجوز من القياس.
  وقد أنكر عليه القياس العلماء في وقته وبعد وقته.
  وقد روي أنه دخل هو ومحمد بن أبي ليلى على جعفر بن محمد @ وهو في المدينة، فقال لأبي حنيفة في كلام طويل، وقد ذمّ قياسه الذي كان يقيسه، فقال له جعفر: يا نعمان؛ (إن)(٦) أوّل من قاس إبليس أمره اللّه أن يسجد لآدم فقال: {أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ}[الأعراف: ١٢]، ثم قال له: أيّهما آكد عند اللّه الصلاة أم الصّيام؟ قال: الصّلاة، قال: فلم أمر اللّه الحائض تقضي الصوم ولا تقضي الصلاة؛ وهذا آكد من هذا؟ قال: لا علم لي، قال: أيّهما أعظم عند اللّه القتل أم الزنا؟ قال: القتل، قال: فلم أمر اللّه في القتل بشاهدين وفي الزنا بأربعة؟ قال: لا علم لي. قال: يا نعمان،
(١) قوله: «لا تجري الصدقة» يعني: لا تلزم. وفي (ض): لا تجزئ بالزاي المعجمة. تمت.
(٢) في (ش، ع): خمسة أوساق.
(٣) ساقط في (ب، ت).
(٤) في (ش، ي): وسائر المائيات.
(٥) ساقط في (ش، ي، ع).
(٦) ساقط في (ش).