حقائق المعرفة في علم الكلام،

أحمد بن سليمان (المتوكل) (المتوفى: 566 هـ)

فصل في الكلام في وجوب النظر والاستدلال

صفحة 73 - الجزء 1

  وأما الرطوبة في المنخرين فلأن يجد⁣(⁣١) بهما ريح الأشياء، ولولا ذلك كانتا كسائر جسده، وجعل بطن الرّاحة لا شعر فيه ليحس اللّمس، فاعلم.

  فصحّ أن القياس لا يجوز إلا فيما ذكرنا وأمثاله.

  واعلم أنه لا يقيس ولا يجتهد إلا من عرف الأصول، والفروع، والمعقول، والمسموع؛ لأنه إذا أفتى بغير علم زلّ، وضلّ بغير شكّ وأضلّ، وبسبب ذلك هلك أكثر الناس، وقد روي عن أمير المؤمنين # أنه قال: (خمس خذوهنّ عنّي فلو رحلتم المطيّ لا لأنضيتموهنّ قبل⁣(⁣٢) أن تجدوا مثلهنّ: لا يخشى العبد إلا ربّه، ولا يخاف إلا ذنبه، ولا يستحي من لا يعلم أن يتعلّم، ولا يستحي العالم إذا سئل عمّا لا يعلم أن يقول: اللّه أعلم، ومنزلة الصّبر من الإيمان كمنزلة الرأس من الجسد، ولا إيمان لمن لا صبر له.

  واعلم أن ما ورد عن النبيء ÷ مطلقا فإنه يقتضي الوجوب في الأمر، والتّحريم في النهي، إلا ما خصّه الدليل، مثال ذلك في الأمر:

  قوله ÷: «من مسح سالفتيه أمن من الغل يوم القيامة»، فلمّا قاله على وجه التّرغيب في الزيادة، ولم يأمر به مطلقا، علم أنّ مسح الرقبة مع الرأس سنّة.

  ومثله: قوله ÷: «لولا أن أشقّ على أمّتي لفرضت عليهم السّواك» فصحّ أنه سنّة.


(١) في (ش، ص): فلأنه يجد.

(٢) في (أ، ض): لأنضبتموهن من قبل.