فصل في الكلام في الأنوار واختلاف الليل والنهار
  الظّلمة على النّور. قالوا: والدليل على ذلك أن الخير لمّا وجد ثبت أن له فاعلا من جنسه، أو أرفع منه منزلة، وأن الشرّ لما وجد ثبت أن له فاعلا من جنسه، أو أبلغ منه منزلة.
  والحجة عليهم أنا وجدنا النّور والظّلمة متضادّين، ووجدنا النّور يزيل الظّلمة إذا حضر، وتغشى الظّلمة إذا غاب، ورأينا أحدهما(١) يزول بحضور الآخر، ويحضر بزوال ضدّه، فثبت أنهما محدثان ضعيفان عاجزان؛ لأن أحدهما يزول بحضور الآخر؛ ولأن أحدهما مغيّر للثاني، وإذا عجز عن نفسه وكان الآخر مغيّرا له(٢) فهو عن خلق غيره أعجز.
  وتبيّن فساد قولهم أنهم قالوا: النّور والظّلمة ممتزجان، ومنهم من قال: هما منفصلان ومعهما ثالث معدّل؛ والانفصال والامتزاج يدلّان على الحدث؛ لأن الانفصال هو الانتقال؛ وهو حركة، والامتزاج أيضا المجاورة، وكل منتقل أو مجاور محدث؛ لأنهما لا يتعرّيان من الحوادث.
  ودليل آخر: أن كل ما كان له أوّل وآخر فهو محدث، والنّور والظّلمة لهما أوّل وآخر، ولا يمتنعون من أن يقولوا: أوّل النهار وآخره، وأوّل الليل وآخره.
  ودليل آخر: أن الظّلمة التي قالوا: هي تغلب النور وهي تفعل الشر فإذا كان النور مغلوبا كان ضعيفا، والضّعيف لا يكون خالقا.
(١) في (ض): ورأينا إحداهما.
(٢) في (ب، ه): فكان الآخر مغيّرا له. وفي (ش): فكان الآخر مغايرا له.