القول السديد شرح منظومة هداية الرشيد،

الحسين بن يحيى بن محمد (المتوفى: 1435 هـ)

[المخازي التي تلزم من القول برضاء الله بالمعاصي]

صفحة 110 - الجزء 1

  فمثل هذا الفعل، وهذا العمل القبيح السخيف يتحاشا عنه سفلة الرجال، دع عنك أشرافهم، فكيف برب العزة، والجلال؟! الذي حاز جميع صفات الكرم، والكمال، الذي لا يضره شيء، ولا ينفعه، ولا يحتاج الحاجات، ولا يشتهي المشتهيات، ولا يستلذ بالمستلذات، والعالِم بأن مثل هذا من أقبح القبائح، وأرذل المسترذلات، وأنه يُنَقِّص من كماله، وعزته، وجلاله، وأنه ليس له لأي شيء حاجة من الحاجات، ولا يستلذ بأي مستلذٍ من المستلذات، وإنما يفعل ما تدعو إليه الحكمة والمصلحة، وهو أكرم الأكرمين، وأرحم الراحمين حاشا الله من هذه السخافة، ومن هذه الدناءة.

  وإذا قلنا: إن أفعال العباد من الله، أو أن الله يرضى بمعاصي العاصين، أو أن الله أجبرهم عليها، أو قضاها، وقدرها عليهم قضاء حتم حتى أن العباد لا يستطيعون الترك، وأنها ليست باختيارهم فقد لزم أن ننسب إلى الله كل القبائح، والفضائح، والعيوب من القتل، والظلم، والكذب، وأيمان الفجور، وشهادة الزور، وقطع الطريق، وانتهاب الأموال، والسرق، والزنا، ونحو ذلك تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً.

  ولزم أن إرسال الرسل وإنزال الكتب مشتمل على أنواع من القبائح:

  الأول: اللعب والعبث والهزؤ وذلك أن بعثة الأنبياء والرسل À من لدن آدم ~ نبيئاً بعد نبيء، ورسولاً بعد رسول إلى زمن نبيئنا محمد اللهم صل وسلم عليه وعلى آله يدعون العباد إلى طاعة الله، وينهونهم عن المعاصي، وإنزال الكتب كذلك، والعباد لا يستطيعون أن يطيعوا الله، ولا أن ينتهوا عن المعصية، في غاية من اللعب، والعبث.

  كيف لو كانت دعوتهم إلى أن يكون العباد طوالاً، أو قصاراً، أو سوداً، أو بيضاً، أو نحو ذلك، والله هو الذي خلقهم طوالاً، وقصاراً، وسوداً، وبيضاً، أليس هذا في غاية من اللعب والعبث؟ وهذا مثله.