[الرد على دعوى أن دلالة العموم على كل فرد من أفراده ظنية]
  أحدها: أن هذه دعوى لا دليل عليها؛ لأنَّ الله خاطبنا بكلام العرب، وقد وضعت العرب للعموم صيغاً، وللأفراد صيغاً، لتدل كل صيغة على ما وضعت له.
  فدلالة العموم على ما وضع له كدلالة الخصوص على ما وضع له سواءً سواء، فإذا استعملت ألفاظ العموم فدلالتها على كل الأفراد كدلالة اللفظ الموضوع لفرد على ذلك الفرد.
  ووضعوا أيضاً للتخصيص ألفاظاً لإخراج من لم يُرد دخوله في ذلك العموم، وتبقية من يراد كقوله تعالى: {وَالْعَصْرِ ١ إِنَّ الإنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ ٢ إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ ٣}[العصر].
  فحكم بخسران كل إنسان إلا من استثناهم، ولولا أنَّ كل إنسان داخل لم يحتج إلى الاستثناء.
  الوجه الثاني: أن كل إنسان عاقل مكلف بالشرعيات مع الاستطاعة قطعاً، وإنكاره كفر، ولم يرسل الله إلى كل فرد رسولاً خاصاً، و لم يخص كل فرد باسمه، وإنما دخلوا في عموم قوله تعالى: {قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً}[الأعراف: ١٥٨]، والمعلوم أن كل بالغ عاقل تجب عليه الصلاة، وكل من يحصل معه النصاب، وشروط الزكاة تجب عليه الزكاة. وكذا الصيام، والحج، وكل الشرعيات، وإنما دخلوا في عموم {أَقِيمُوا الصَّلاةَ} و {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً}[التوبة: ١٠٣]، {وَلِلّهِ عَلَى النَّاسِ حَجُّ الْبَيْتِ مَنِ استَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً}[آل عمران: ٩٧]، {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ}[البقرة: ١٨٣]، ونحوها.
  وكذا أدلة وجوب التوحيد، وبر الوالدين، وصلة الأرحام، وسائر الواجبات.
  وكذا تحريم الزنا، والقتل، والسرق، وقطع الطريق، وتحريم الأمهات، والبنات، و الأخوات، وأمهات الزوجات، إنما هي عمومات.
  وكذا سائر المحرمات، كالربا، وأكل مال اليتيم، وشرب الخمر، وغيرها فلا يدخل كُلُّ فرد يقيناً، وكذا لا تثبت التوبة لكل فرد، ولا دخول الجنة لكل فرد من المؤمنين يقيناً.