مقدمة
  والمصائب، فألله ألله في نفسك أيها المسكين لا تبعها بحطام هذه الدار الحقيرة الفانية، واتباع الهوى، {وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى ٤٠ فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى ٤١}[النازعات]، {وَلا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ}[ص: ٢٦].
  فاعلم أنك لا تصلُ إلى هذه المكاسبِ إلاَّ باتِّباع الحقّ، والبحثِ عنه، والتفتيشِ بجدٍّ واهتمام، وتواضعٍ وانقياد، وتركِ التعصبِ للمذاهبِ، والأسلافِ، واتِّباعِ الهوى؛ لأنَّ الله تعالى يقول: {فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلاَّ الضَّلاَلُ}[يونس: ٣٢]، {أَفَمَن يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَن يُتَّبَعَ أَمَّن لاَّ يَهَدِّي إِلاَّ أَنْ يُهْدَى}[يونس: ٣٥]، {وَالْعَصْرِ ١ إِنَّ الإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ ٢ إِلا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ ٣}[العصر].
  فأقسمَ الله سبحانه أنَّ الذين لم يتواصوا بالحق خاسرون، ويقول الله سبحانه: {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ}[الأنعام: ١٥٣]، {فَهَدَى اللّهُ الَّذِينَ آمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحَقِّ}[البقرة: ٢١٣].
  فكل هذه الآيات تدلنا على وجوب اتِّباع الحق، وأنَّه لا نجاة لنا إلاَّ به، وأنَّ الهوى يصدُّ عن الحق.
  ولا ينسَ طالبُ العلم ما هو المقصود من طلبهِ العلمَ، ألا وهو الوصول إلى معرفة الطريق التي تُوصله إلى الغاية المقصودة، وهي الوصول إلى دار النعيم، والنجاة من عذاب الجحيم، وأنَّه يريد معرفة الحقيقة الواقعية التي لا يجديه غيرها، وهي العلم الحقيقي، وغيرها الجهل، والجهل لا يحتاج إلى دراسة، فقد كان معه قبل الدراسة، وقد كان معه قَبْلُ قِسْطٌ من العلم، وهو معرفته، واعترافه بأنَّه جاهلٌ، ثم أصبح بعد الدراسة لا يَعرف أنَّه جاهل، وأنَّه في خَطِّ النار، الله المستعان! لم يستفد من دراسة نحو عشرين سنة إلاَّ النار، وكان في إمكانه دخول النار بدون تعب! هكذا الطبيب الماهر يهتم بتشخيص المرض؛ ليكون ناجحاً في علاجه.