القول السديد شرح منظومة هداية الرشيد،

الحسين بن يحيى بن محمد (المتوفى: 1435 هـ)

مقدمة

صفحة 18 - الجزء 1

  والعجب من أمم الأنبياء، كيف يقابلون حججَ أنبيائهم ومعجزاتهم بما لا تبطل به حُجَجُهم، بالمقاهرة والمغالبة، نحو قولهم: ساحر، كذاب، مجنون، ونحو هذا من البذاءة التي لا يستخدمها إلاَّ العاجز الضعيف، التي لا تبطل بها حجة، ولا يُهتدى بها إلى محجة، والحرب والمحاربة، مع أنَّ الأنبياء À لم يطلبوا منهم مالاً، ولا أجراً، وإنما نصحوهم ودعوهم إلى الخير الكامل الدائم، الذي لا يُساوَى، ولا يُماثَلُ، وهو الخلود في الجنات - جعلنا الله تعالى من أهلها والمؤمنين - وحذَّروهم من الشرِّ العظيم، الذي لا يُستطاع أن يُحاطَ بمقداره، وهو الخلود في النيران - أعاذنا الله تعالى منها والمؤمنين - مع أنَّها لا تنفعهم استجابتُهُم، ولا تضرهم مخالفتهم.

  ولو نظروا في دعواهم هل هي صادقة؟ فيستجيبوا لها، ويحذروا مما حذَّروهم، أو كاذبة؟، فيكونوا على يقين، واطمئنان من مخالفتهم، بأنْ يُبْطلوها بالأدلة التي تُبْطِلُ الدَّعاوَى، أو التسليم والانقياد والتواضع للحقِّ.

  وأَعجب من هذا: الأمم التي قد اعترفت بالديانة السماوية، وبالجنة والنار، كاليهود والنصارى، كيف قابلتِ اليهود عيسى ~ بنفس هذه المقابلة، وكيف قابلوا هم والنصارى محمداً صلوات الله تعالى عليه وعلى آله الطاهرين بنفس هذه المقابلة، وحرّفوا البشارات بهما التي في التوراة والإنجيل، {وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا}⁣[النمل: ١٤].

  وأعجب من هذا: هذه الأمة التي قد آمنت بنبيها ÷ وبما جاء به، كيف قوبل أهلُّ الحق بنفس هذه المقابلة، أفلا ينظرون إلى قوله تعالى: {وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلاً ٢٧ يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلاناً خَلِيلاً ٢٨ لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلإِنسَانِ خَذُولاً ٢٩}⁣[الفرقان]، وإلى قوله تعالى: {إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا وَرَأَوُا الْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الأَسْبَابُ}⁣[البقرة: ١٦٦].