[المسألة الأولى في إثبات الصانع]
  تثبت بها حجة، وإلا لزم صحة دعوى من ادعى قدم العالم، ومن ادعى حدوثه، فيلزم أن يكون العالم محدَثاً قديماً وهو محال، ولهذا ندبنا الله سبحانه إلى النظر والتفكر في كثير من آي القرآن كقوله تعالى: {أَفَلاَ يَنْظُرُونَ إِلَى الإبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ}[الغاشية: ١٧]، {فَلْيَنظُرِ الإِنسَانُ إِلَى طَعَامِهِ}[عبس: ٢٤]، {أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا} {وَمِنْ آيَاتِهِ} {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ}[البقرة: ١٦٤]، ونحوها.
  فنظرنا إلى اختلاف السموات، والأرض، والجبال، والبحار فإذا هو يدل على حدوثها، وعلى أنه محال أن يكون العالم قديماً مع هذا الاختلاف، وأنه لا بد لها من صانع خلقها، وخالف بينها، ووجدنا الاختلاف في مقاديرها، وألوانها، ومحالِّها، وغير ذلك.
  بيانه: أنا وجدنا جبلاً طويلاً، وجبلاً قصيراً، وعريضاً، وغير عريض، ووجدنا الطويل كان يمكن أن يكون قصيراً، والقصير كان يمكن أن يكون طويلاً، وكذا العريض والدقيق، وهذا الإمكان ضروري لا شك فيه، ولا مخصص لجعله على مقدار دون مقدار إلا اختيار صانعه.
  وكذا الأرض إذا كان مقدار عرضها ألفي ميل مثلاً فيجوز في العقول أن تكون أكثر وأقل، ولا مخصص لجعلها على مقدار دون مقدار إلا اختيار صانعها، فثبت أن كل مقدر لا بد له من مقدِّر يقدِّره وصانع يصنعه.
  وأما الاختلاف في الألوان فإنا وجدنا حجراً سوداء، وأخرى بيضاء، وحمراء ونحو ذلك.
  وطينة بيضاء، وسوداء، وحمراء، وصفراء، وكان يمكن أن تكون السوداء بيضاء والعكس، ولا يجوز أن تكون البيضاء بيضاء - وهو يجوز العكس - إلا بمخصص، واختيار مختار، ولم نجد شيئا أوجب هذا الاختلاف إلا الصانع المختار.
  وكذا وجدنا حجراً صلبة ملساء، وغير ملساء، وحجراً غير صلبة خشنة، وغير خشنة، فلا بد من مخالف خالف بينها.