[الحكمة في كون المخلوقات على قوانين وأسباب]
  الثاني: أنه لا يصح أن يكون العالَم مع اختلافه لعلة واحدة على فرض إمكانه؛ لأنَّ العلة ليست صانعة مختارةً، حتى توجد أشياءَ مختلفةً كالنار، إنما يلزم منها إحراق ما وقع فيها، أو تؤثر في حرارته، ولا يوجد منها بقر، وغنم، وإبل وكذا سائر الموجودات.
  ولا لعلل متفقة كنار، ونار، ونار؛ لأنَّ مُؤَثَّراتها سواء، فيلزم أن يكون العالَم نوعاً واحداً إذا كان المؤثر علة، أو عللاً متفقة.
  فإن قالوا: الذي أَثَّرَ في العالَمِ عِلَلٌ مختلفة، احتاجت العلل إلى مَن يُخالِفُ بينها، كما احتاج العالم إلى من يخالف بينه.
  فإن قالوا: الذي خالف بين العلل علة أو علل، عدنا الكلام معهم في العلة، أو العلل، وهو أن العلة الواحدة، أو العلل المتفقة لا تؤثر إلاَّ في مؤثراتٍ متفقة.
  فإن قالوا: مختلفة، احتاجت إلى مخالف يخالف بينها، فإما أن يتسلسل الكلام وهو محال، وإما أن يضطروا إلى صانع مختار بطلت العلل، ورجعوا إلى قولنا.
  فإن قالوا: المختلفة لا تحتاج إلى مخالف خالف بينها.
  فلنا جوابان:
  الأول: أن العالَمَ إذا احتاج إلى مؤثر لاختلافه فالعلل مثله، والفرق تحكم.
  والجواب الثاني: أنه لا يصح أن تكون مختلفة وكان يمكن أن تكون متفقة، ولا متفقة أيضاً وكان يمكن أن تكون مختلفة إلاَّ باختيار مختار.
  فإن قيل: العالَمُ قديم، وإنَّما هذا في الحوادث المشاهدة اليومية.
  قيل لهم: لا يصح أن يكون قديماً مع اختلافه، مع أنَّ في كلِّ صنفٍ منه ما يدل على حدوثه.
  الثالث: أن العالم بلغ الغاية في العظمة، والإحكام، والإتقان، عجزت العقلاء والعلماء عن الاطلاع على جميع غرائبه وعجائبه، فقد بلغت قدرة صانعه وعلمه، وحكمته، وإتقانه غايات الغايات، كيف ولو حاول العلماء، وأهل