[الحكمة في كون المخلوقات على قوانين وأسباب]
[الحكمة في كون المخلوقات على قوانين وأسباب]
  وإنما غَرَّ هؤلاء أنَّ الله تعالى جعل المخلوقات في هذه الدار على قوانين وأسباب، ليهتدي كلٌّ منا إلى ما يريد.
  فجعل الحيوانات تتوالد من ذكر وأنثى من ذلك النوع، فمن أراد الإبل عمد إلى ذكر وأنثى منها، وكذا البقر والغنم وسائر الحيوانات.
  ومن أراد البرّ، أو الذرة، أو الشعير عمد بذر ذلك المقصود.
  ومن أراد الفواكه عمد إلى غرسة من ذلك النوع الذي يريده، ولو لم يجعلها الله تعالى على هذه القوانين والأسباب لم يهتدِ الناس إلى ما يريدون في معايشهم.
  وليست هذه أسباباً موجبة، فتارة تُنتِج النعجة ذكراً، وتارة أنثى، وقد تنتج اثنين أو ثلاثة، وتارة لا تُنتِج، وكذا سائر الحيوانات.
  ولو كانت علةً موجبةً لكان الإنتاج نوعاً واحداً لا يختلف.
  وكذا البذور، والأشجار تارة تَنبُت، وتارة لا تَنبُت، وقد تحيى الأشجار المغروسة، وقد لا تحيى، وقد خلق آدم من طين، وحواء من آدم، وعيسى من غير أب، وناقة صالح من جبل، والجآنّ من مارج من نار، فبهذا تعرف أن هذه ليست عللاً موجِبة.
  هذا، وأما غير الحوادث اليومية من أصناف العالم كالسماء، والأرض، والنجوم ونحوها، فالجواب عليهم من وجوه:
  الأول: أنا ننكر وجود بعضها فضلاً عن تأثيرها، وليس لهم دليل على وجودها، وإنما هي دعوى مجردة عن البرهان، وكل دعوى بدون برهان فهي باطلة، وإلا لزم التناقض بين من يدعي نجماً ومن يدعي علة، أو طبعاً، أو صانعاً، أو نحو ذلك؛ لأنَّ الذي قال: علة مناقض لمن قال: نجماً، وكذا البواقي، وقس على هذا كل دعوى.