[صفات الله تعالى الذاتية]
  وجعل له السمع واللسان، اللذَين لا يستقيم التخاطب إلاَّ بهما، ولا تكمل أعمال معيشته إلاَّ بهما، وجعل له الأيدي والأرجلَ، ولا يَخفى عِظم منافعهما.
  وجعل له الغذاء، وجعله يتنقل من محلٍّ إلى محل، ويمتصه البدن تدريجاً، حتى يتمكنَ الإنسانُ من السفر، ومن الأعمال الكثيرة، بين الوجبتين.
  وجعل له العقل الذي جعله مهيمنًا على جميع أعضائه، وفضَّلَه به على جميع المخلوقات.
  وانظر إلى ما جعل الله تعالى في خلق وجهه من العجائب، والإتقان.
  كيف جعل فيه العينين والحاجبين والأذنين والشفتين والمنخرين والذقن.
  وحفظ العينين بالأنف والحاجبين وبغلاف خفيف.
  ولم يَشتبه وَجْهٌ مع صِغَرِ حجمه بوجهٍ آخرَ في مليارات الوجوه، فَرَّق بينهم بالقدرة الإلهية، وبدون رقوم، ولو اشتبهوا لحصل الفساد الكبير، فلا يعرف الزوج زوجته، والأب والأمُّ أولادَهما.
  وجعل لنا الشمس، وجعل فيها نورًا عظيمًا يعم العالَمَ كلَّهُ، ولولاه ما استطاع الناس أن يعيشوا، وَلَمَّا كان الليل للنوم والسكون، جعل نورَهُ ضعيفًا، وليعرف العقلاء نعمة النور، وبِضِدِّهَا تَتَمَيَّزُ الأُشْيَاءُ، وفيهما أيضًا منافع أخرى.
  وأرسل المطر على نظام، أرسل الرياح تُثيرُ السحابَ، ثم جعله ركامًا، وجعل فيه البرق، والرعد، حتى يتمكن الناس من تحصين أنفسهم، وتحصين أمتعتهم، وكلما يضره المطر، أو يخربه قبل سكبه، وجعله يَنْزل قطرات ليعم نفعه، ولا يضر.
  وأرسل الأنبياء - صلوات الله تعالى عليهم - بقوانين محكمة متقنة، أكثرها وأعظمها في صلاح حياتهم ومعايشهم، ولو طبقوها لعاشوا سعداء في هذه الحياة الدنيا.
  وقِسْمُ العبادات جزءٌ قليل، مع أنَّه لا يخلو عن منفعة، ومن تأمل فيها علم أنَّها لا تصدر إلاَّ من حكيم، بل فيها ما يدل على أنَّها لا تصدر إلاَّ من ربِّ العزة.