[الجواب على الآيات التي ظاهرها التشبيه]
  أما أولاً: فليس لهم في الآيات التي ذكر فيها الوجه، والعين ونحوها دليل على إثبات الجوارح لله حقيقة؛ لأنَّ الآيات لا يمكن حملها على ظاهرها لا عندنا ولا عندهم، وذلك أن قوله تعالى: {وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِيَ}[طه: ٣٩]، وقوله تعالى: {تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا}[القمر: ١٤]، لو حملت على ظاهرها لزم أن موسى يصنع فوق عين الله، وأن السفينة تجري على عين الله، أو بسبب عينه، وهذا إخبار بخلاف الواقع وبما لا يفيد، وليس مقصوداً لا عندنا ولا عندهم، وكذا قوله تعالى: {وَمَا لأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزَى ١٩ إِلاَّ ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الأَعْلَى ٢٠}[الليل]، وقوله تعالى: {وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالإكْرَامِ}[الرحمن: ٢٧]، وقوله تعالى: {كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلاَّ وَجْهَهُ}[القصص: ٨٨]، فإنها لو حملت على ظاهرها لزم أن العبادة للوجه فقط، وأنها تعدم ذاته ولا يبقى إلا الوجه، وكذلك قوله تعالى: {يَا حَسْرَتَى عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ}[الزمر: ٥٦]، لو حملت على ظاهرها لزم أن الكافر فرط في جنبه إما أن يكون جَرَحهُ أو خَزَقَهُ أو كسر بعض عظامه وهذا لم يقل به أحد لا منَّا ولا منهم، وكذا قوله تعالى: {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا خَلَقْنَا لَهُمْ مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا أَنْعَاماً فَهُمْ لَهَا مَالِكُونَ}[يس: ٧١]، لو حملت على ظاهرها لزم أن يكون لله أيد في فروج النياق والبقر والنعاج والمعز وهذا خلاف الواقع ومما لا يقول به أحد، وكذا قوله تعالى: {إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ}[الفتح: ١٠]، لو حملت على ظاهرها لأحسوا بها وقت المبايعة وعلموا بها ويكون الإخبار بها إخبارٌ بما قد علم، والإخبار بالمعلوم عبث لا فائدة فيه، وإنما أراد أن العهد للنبي ÷ عهد لله تعالى، وكذا قوله تعالى: {بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ}[المائدة: ٦٤]، إنما هو مشاكلة لقول اليهود فيما حكاه الله عنهم بقوله: {وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ}[المائدة: ٦٤]، وهم إنما كنوا بها عن البخل، والله إنما كنى بها عن الكرم رداً عليهم ولهذا قال بعدها: {يُنْفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ}[المائدة: ٦٤]، وليس بين البسط الحقيقي والإنفاق ارتباط وإنما هي كقوله تعالى: {وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ}[الإسراء: ٢٩]، إنما أراد لا تبخل ولا تسرف في الإنفاق ولا يمكن حملها على الحقيقة؛ لأنَّه ÷ لم يغلها قبل وليس له أي داع إلى غلها حتى ينهى