[بحث في المحكم والمتشابه]
  وأما إن قلنا: إن المتشابه هو: المحتمل لمعنيين، أو معانٍ وتعارض مع المحكم فهذا الذي ذكرنا أنه يجوز بل يجب تبقيته على ظاهره غير داخل في المتشابه. فهو إذاً من المحكم، فلا نكون ممنوعين من حمله على ظاهره.
  ويؤيد هذا: أن الله جعل المتشابه قسيماً للمحكم، ومقابلاً له، وهذا لم يقابله، فلم يكن من المتشابه، ولأن المانع الذي منع من إتباع المتشابه لم يحصل فيه، والمانع هو ما يلزم من إتباع المتشابه أن يكون القرآن متناقضاً مختلفاً، والله يقول: {وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً}[النساء: ٨٢].
  وكذا ابتغاء الفتنة وهي: الضلال، والخروج عن الحق.
  فالمحكم إذاً: الآيات الصريحة التي لا تحتمل أكثر من معنى واحد، والآيات التي لم يمنع من حملها على ظاهرها مانع.
  والمتشابه: ما عارض المحكم.
  وهذا جواب على ما يرد على حد المتشابه بأنه: الذي يحتمل أكثر من معنى، وقد نهينا عن التمسك بظاهره فيلزم إذاً إهمال الكثير من الأحكام الشرعية.
  وحاصل الجواب: أنا إما أن نلتزم هذا الحد، ونقول: إنما نهينا عن إيثار المتشابه على المحكم، ولا يحصل إلا إذا تقابلا، وتعارضا.
  أو نزيد في حد المتشابه قيداً وهو (إذا عارض المحكم) فنكون قد خرجنا عن هذا المأزق.
  فإن قيل: بم عرفتم هذا؟
  قيل له: لما قسَّم الله الآيات قسمين، ونهانا عن المتشابه، عرفنا أن المتشابه ما قابل المحكم، وأنا إنما نهينا عن رفض المحكم والتمسك بما صادمه، وعارضه.
  فإن قيل: بم عرفتم أن حد المحكم ما ذكرتم؟
  قيل له: لأن مدلوله ظاهر جلي، ولم يمنعنا عن التمسك به مانع، وهذا حقيقة الإحكام.