القول السديد شرح منظومة هداية الرشيد،

الحسين بن يحيى بن محمد (المتوفى: 1435 هـ)

[بحث في المحكم والمتشابه]

صفحة 78 - الجزء 1

  فعلى من أراد لنفسه النجاة والخروج عن الزيغ أن يتمسك بالمحكم، ويكل أمر المتشابه إلى الله، ويؤمن به إن لم يستطع أن يتأوله تأويلاً مطابقاً للقانون اللغوي، والعقل، ومحكم القرآن، فهذا يكفيه ولا يلزمه أن يعرف تأويل المتشابه.

  ومن أمثلة التأويل المطابق لما ذكرنا أن القرآن قد نزل على لغة العرب، وفيها الحقيقة، والمجاز، والاستعارة، والكناية، والتشبيه.

  وقد يستعمل الجنب في الجهة، والدليل عليه: قوله تعالى: {يَا حَسْرَتَى عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ}⁣[الزمر: ٥٦]، ولم يفرط الكافر إلا في طاعة الله، وجهته، وتستعمل اليد في القوة، والنعمة، دليله قول الله تعالى: {وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ}⁣[الذاريات: ٤٧]، وقال تعالى في آية أخرى: {ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلأَرْضِ ائْتِيَا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ}⁣[فصلت: ١١]، وقال تعالى: {إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ}⁣[يس: ٨٢]، فدل في هاتين الآيتين أن كل أفعاله ليست بالأيدي، وإنما هي بالأمر، ونص في الآية الأولى أنه إنما خلق السموات بالأمر، فدل على أنه إنما أراد بقوله: {بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ} القوة، وإلا تناقضت الآيتان.

  والمراد باليد النعمة في قوله تعالى: {وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ}⁣[المائدة: ٦٤]، فأجاب عليهم بقوله تعالى: {بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنْفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ}⁣[المائدة: ٦٤]، لأن اليهود إنما كَنَّوا بِغَلِّ اليد عن البخل، فأجاب بالبسط الذي هو كناية عن الكرم، دليله: {يُنْفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ} وإلا لم يكن لقوله: {يُنْفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ} فائدة، ويؤيده قوله تعالى: {وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْا فِي الأَرْضِ}⁣[الشورى: ٢٧]، فهذه الآية صريحة في أن المراد بالبسط كثرة العطاء.

  وكذا قوله تعالى: {وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلاَ تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ}⁣[الإسراء: ٢٩]، فما أظن أحداً يقول في هذه الآية إن المراد يد حقيقية، وإنما أراد أن يكون عطاؤه متوسطاً، وقوله تعالى في القرآن: {مُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ}⁣[المائدة: ٤٨]،