كتاب العدل
كتاب العدل
  ٢٩ - فهو الغني فما في فعله دَنسٌ ... وكلُّ ظُلْمٍ وعيبٍ عنه مبتعِدُ
  هذا البيت شروع في كتاب العدل.
  واعلم أن مسائل العدل مرتبطة بالتوحيد، ومتفرعة عليه؛ لأنَّ حقيقة التوحيد تفرد الله بصفات الكمال، وتنزيهه عن صفات النقص والحدوث، فلا يشارك الأجسام والأعراض في صفاتها التي أوجبت حدوثها، ولا تشاركه في صفاته صفات الكمال، ومسائل العدل تنزيه الله عن الأفعال القبيحة الرذيلة، وتنزيه الله عنها مترتب على إثبات أن الله عالم وغني، وهما من مسائل التوحيد، ومسائلُ العدل متفرعة عليها.
  والفرق بين مسائل العدل ومسائل التوحيد، أن مسائل العدل مختصة بما يتعلق بالأفعال وجوداً، وعدماً، ومسائل التوحيد بما يتعلق بالذات وجوداً، وعدماً، فمهما ثبتت مسائل التوحيد على ما قد وضحنا في أول الكتاب فمسائل العدل ثابتة كذلك.
  هذا، وإذا قد تقرر بما أوضحناه سابقًا أن الله سبحانه وتعالى عالم، وأن الأعراض لا تجوز عليه، وأنها لا تَحُلُّ إلا في جسم ثبت أن الله غني؛ لأن الحاجة منحصرة في جلب المنفعة، ودفع المضرة وهما يستلزمان الشهوة واللذة والسرور هذا في جلب المنفعة؛ لأنَّ المقصود بها تحصيل هذه.
  والألم، والكدر، والنفرة هذه في دفع المضرة.
  واللذة، والشهوة، والسرور، والكدر، والنفرة، والألم أعراض لا تحل إلا في جسم، والله ليس بجسم.
  ولأنها أعراض محدَثة، وإذا كانت محدَثة، فهي منتفية عنه في الأزل، وإذا كانت منتفية فلا يصح حصولها له بعد؛ لأنَّ وجوده وما هو عليه من صفات النفي