القول السديد شرح منظومة هداية الرشيد،

الحسين بن يحيى بن محمد (المتوفى: 1435 هـ)

[الجواب على الآيات التي فيها إثبات المعاني]

صفحة 94 - الجزء 1

  والإثبات الذاتية ليس بجعل جاعل حتى يصح ويمكن عليه التغير والتحول، فلا يصح ثبوت ما يثبت له في وقت دون وقت، ولا انتفاء ما ينتفي عنه في وقت دون وقت؛ لأنَّه تحكم، وتخصيص بدون مخصص، فإذا ثبت له صفة فلا بد من دوامها، ولا يمكن انتفاؤها عنه، وكذا إذا ثبت انتفاء صفة عنه، فلا يمكن ثبوتها له في حال من الأحوال.

  وهكذا الصفات الذاتية لا يمكن تخلفها، فلا يصح أن يكون الجسم غير شاغلٍ للحيز وهو المكان، ولا أن يكون العرض في غير جسم، ولا أن يكون الصدق كذباً، ولا الكذب صدقاً، ولا الظلم عدلاً، ولا العدل ظلماً، ولا جائز الوجود واجب الوجود، ولا واجب الوجود جائز الوجود، ولا أن يتصف أحدهما بصفات الآخر الذاتية، الفارقة بين الذاتين؛ لأنَّه من تعكيس الحقائق والتناقض.

  ولأن الحاجة نقص، وضعف، وهما ينافيان القوة، والعظمة، والجلال: {وَلِلّهِ الأَسْمَاء الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا}⁣[الأعراف: ١٨٠]، والفقر والضعف ليسا من الأسماء الحسنى: {أَنتُمُ الْفُقَرَاء إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ}⁣[فاطر: ١٥]، وإذا ثبت أنه غني، وأنه عالم بكل المعلومات، فهو عدل حكيم، لا يفعل القبائح كلها، فلا يكذب، ولا يعبث، ولا يظلم، ولا يخلف الوعد، والوعيد، ولا يكلف أحداً ما لا يطيقه، ولا ما لا يُعْلِمُه؛ لأنَّه غني عنها.

  ولأنها صفات نقص، وهو عالم بأنه غني، وأن فعل القبيح صفة نقص.

  ولأن القادر العالم لا يفعل الفعل إلا لغرض إما حاجي وهو ما تدعو إليه الحاجة، أو حِكْمِي وهو ما تدعو إليه الحكمة، والله غني فليس بمحتاج، والقبح مناف للحكمة، ولا يفعل مثل هذا إلا المجانين، والبله الذين لا يعرفون ما يضرهم وما ينفعهم حاشا الله رب العالمين، مع أن أهل الشرف والنفوس الرفيعة يتنزهون عما ينقص في شرفهم، وعما يعابون به، ويُذَمون عليه، وإن دعتهم الشهوة والحاجة إليه، فكيف برب العزة والكمال الذي لا يشتهي، ولا يحتاج؟!