القول السديد شرح منظومة هداية الرشيد،

الحسين بن يحيى بن محمد (المتوفى: 1435 هـ)

[بحث في تعريف الظلم]

صفحة 96 - الجزء 1

  فنزه نفسه في هذه الآيات عن أنواع القبائح: عن الظلم والعبث، وإخلاف الوعد والوعيد، والكذب وإرسال الكذابين، وأخبرنا أنه يؤاخِذُ لو كُذِب عليه، وأنه لا يريد القبيح، ولا يؤاخذ أحداً بذنب غيره، ولا يكلفنا ما لا نطيقه، وأنه لا يكلفنا إلا ويعلمنا بما كلفنا به، وأنه أرسل الرسل لئلا يكون للناس على الله حجة، وأنه يريد بنا اليسر والتخفيف وعدم الحرج.

[بحث في تعريف الظلم]

  هذا، والظلم هو: الضرر العاري عن ظن جلب نفع، أو دفع ضرر، أو استحقاق.

  فإذا كان لجلب النفع مثل ما يلقى الباني، والحارث، والمسافر، ونحوهم من المتاعب، والمشاق فليس بظلم.

  وكذا ما كان لدفع الضرر مثل العمليات للمرضى، واستعمال العلاجات المرة، والحجامة، ونحوها، وكذا ما كان للاستحقاق كقتل القاتل فليس بظلم أيضاً.

  فإن قيل: فما تقولون في ذبح البهائم؟.

  قيل له: قد اقتضت حكمة الله أن يميت كل الحيوانات كما قال سبحانه: {كُلُّ نَفْسٍ ذَآئِقَةُ الْمَوْتِ}⁣[آل عمران: ١٨٥]، حتى الملائكة، والأنبياء À؛ للفرق بين الدارين، ولتهوين هذه الدار الدنية، وجعل للموت طرقًا بعضها بواسطة الملائكة الموكلين به À، وبعضها بواسطة الآدميين.

  فما أباح الله ذبحه للآدميين فشأنهم كشأن عزرائيل # ليسوا بمتعدين، ولا ظالمين؛ لأنَّه بأمر الله.

  أما بالنسبة إلى الله فلا بد في الألم، وفي الآلام التي تصيب الأطفال، والبهائم - من التعويضات العظيمة التي يرتاح لها المعوَّض، ولا يسخطه ما أصابه في الدنيا، بل ربما يتمنى أنه أصيب بأكثر مما أصيب به؛ لعظم الأعواض، كما لا يبالي الحارث، والمسافر، ونحوهما بما يعانيانه من المشاق؛ لرجاء ما يرجونه من المنافع. فهذا لدفع الظلم.