درر الفرائد في خطب المساجد،

عبد الله بن صلاح العجري (المتوفى: 1427 هـ)

خطبة في فضل الدعاء وأهميته نفع الله بها

صفحة 105 - الجزء 1

  فإنه بعيد عن الاستجابة، فلا ولا كرامة، فإنما يتقبل الله من المتقين، وكذلك العبد الذي لا يذكر الله ولا يدعوه إلا عند الشدة والآلام والمصائب والنكسات، وإذا كان في صحة ورخاء وأمن واستقرار نسي الله ø فلم يذكره.

  وقد أخبر الله بهؤلاء وأمثالهم وكشف لنا حقيقتهم حين يقول: {وَإِذَا أَنْعَمْنَا عَلَى الْإِنْسَانِ أَعْرَضَ وَنَأَى بِجَانِبِهِ وَإِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ فَذُو دُعَاءٍ عَرِيضٍ ٥١}⁣[فصلت]، ويقول: {وَإِذَا مَسَّ الْإِنْسَانَ الضُّرُّ دَعَانَا لِجَنْبِهِ أَوْ قَاعِدًا أَوْ قَائِمًا فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُ ضُرَّهُ مَرَّ كَأَنْ لَمْ يَدْعُنَا إِلَى ضُرٍّ مَسَّهُ كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْمُسْرِفِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ١٢}⁣[يونس].

  فعلينا إذا أردنا أن ينقذنا الله تعالى من الشدائد أن نذكر الله تعالى ونلجأ إليه في كل الحالات، ففي الأثر: «تعرف إلى الله في الرخاء يعرفك في الشدة»⁣(⁣١).

  وبما أن الإنسان يجهل الكثير من المصالح، فإنه قد يدعو أحياناً بما فيه ضرر وهو يظن أنه في صالحه أو في الصالح العام، كما قد أنبأنا الله حيث يقول: {وَيَدْعُ الْإِنْسَانُ بِالشَّرِّ دُعَاءَهُ بِالْخَيْرِ وَكَانَ الْإِنْسَانُ عَجُولًا ١١}⁣[الإسراء]، فإن الله تعالى قد لا يستجيب هذا الدعاء لعلمه بعواقب الأمور، بل ينظر لنا ما فيه الخير لعاجلنا وآجلنا وديننا ودنيانا، كما جاء ذلك في حديث قدسي يقول الله تعالى على لسان رسوله ÷: «ياعبادي، سلوني فوعزتي وجلالي لا تسألوني اليوم شيئًا في جمعكم لآخرتكم إلا أعطيتكم، ولا لدنياكم إلا نظرت لكم»⁣(⁣٢) فسبحانه وتعالى من إله ما أكرمه!

  وهنالك أسباب أخرى قد تمنع إجابة الدعاء، ومنها: أن يكون الإنسان متواكلاً كسولاً، يعتمد على الدعاء من دون الأخذ بالأسباب والمقدمات التي أمرنا الله بالأخذ بها، فمن أراد الرزق فإن عليه أن يتسبب بأي نوع من الأسباب ثم يدعو الله تعالى أن يرزقه، ومن مرض فليذهب إلى الطبيب ويستعمل العلاج، ومع ذلك يتوجه إلى الله بطلب الشفاء والعافية، ومن أراد النصر على الأعداء


(١) رواه الإمام المرشد بالله في الأمالي الخميسية عن أنس عن رسول الله ÷.

(٢) رواه العنسي في كتابه الإرشاد.