درر الفرائد في خطب المساجد،

عبد الله بن صلاح العجري (المتوفى: 1427 هـ)

[في السؤال عن النعيم يوم الحساب]

صفحة 129 - الجزء 1

  فيا من أنذره بالعبر يومُه وأمسُه، وحادَثَتْه بالتغيرات قمرُه وشمسُه، واستلب منه ولده وآباؤه وعرسه، وهو يسعى في ارتكاب الخطايا مشمراً جاهلاً أو متجاهلاً أنه قد دنا حبسه، {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ ١٦}⁣[ق].

  أما علمت أيها الغافل أنك مسؤول أمام الملك الديان، وأنه مشهود عليك بما قدمت حين تنطق عنك الأركان، وأنه محفوظ عليك ما علمته ولم تعد في زمن الإمكان؛ {إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ ١٧}⁣[ق].

  فليبادر العاصي بالتوبة الصادقة فهي محتمة عليه، وليعمل الصالحات ويجتنب ما نهي عنه فإن الله رقيب ومطلع عليه، وليؤد شكر الله على ما أنعم به عليه وليتكر المنكر ويقم بما يكتب له لا عليه، وليعلم أنه ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد، فكأنك بالموت وقد اختطفك اختطاف البرق ولم تقدر على دفعه بملك الغرب والشرق، وتب إلى الله وأد ما عليك من المظالم فقد اتسع الخرق ولا تأسف على مفارقة الحطام الزائل ففوات الجنة بالأسف أحق {وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ ١٩}⁣[ق].

  وتذكر النزوح والابتعاد عن مشيدات القصور حين تحمل على أعواد المنايا وتساق إلى القبور، وتبقى هنالك وحيداً كالأسير المحصور حتى إذا بعثر ما في القبور {وَنُفِخَ فِي الصُّورِ ذَلِكَ يَوْمُ الْوَعِيدِ ٢٠}⁣[ق].

  وحينئذ أعاد الأجسام من أنشأها أولاً وصنعها ولف أشتاتها بقدرته وجمعها، ونادها بارئها فأسمعها، {وَجَاءَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَعَهَا سَائِقٌ وَشَهِيدٌ ٢١}⁣[ق].

  وتنسى أخاك ويعرض عنك صاحبك ويجحد آلاءك، وتنسى أبويك وأولادك ونساءك {لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا فَكَشَفْنَا عَنْكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ ٢٢}⁣[ق].

  وتذكر حين تجري دموع الأسف وابلاً ورذاذاً وتسقط الأكباد من الحسرات أفلاذاً واندلع لهب النار على المجرمين فجعلهم جذاذاً، ولا يجد العاصي من النار