[دور المال والعمل والكسب المشروع]
  وهذا التوسط بين الاستمتاع بطيبات الرزق والامتناع عن سلبياتها لم يكن ليأتي عفواً وبدون جهد وتمرين، بل لا بد فيه من التدريب والتربية والتعليم؛ ليصل الإنسان إلى هذه الموازنة الدقيقة بين حاجات الجسم وحاجات الروح، ليجعل من الإسلام الحل الأكمل والأفضل الذي لا بديل له.
  فالإسلام يعتبر العمل الذي تفرضه الحياة - اعتبره - جانباً من جوانب الشريعة الإسلامية، ومن العبادات، كما ألحق العاملين لسد حاجياتهم وضروريات حياتهم بما يغنيهم عن الحرام وعن تكفف أوجه الناس - ألحقهم - بالمجاهدين، يؤكد ذلك العديد من المرويات،
  وقد بلغه أن جماعة من أصحابه قد انصرفوا إلى الصلاة والصيام وأعرضوا عن الملذات والزواج فقام من مجلسه إلى المسجد ووقف خطيباً في أصحابهم يذكرهم بما لأبدانهم وعيالهم ومجتمعهم عليهم من الحقوق والواجبات ومضى يقول: «أما إني أخشاكم لله، وأتقاكم له، ولكن أصوم وأفطر، وأقوم وأرقد، وأتزوج النساء، فمن رغب سنتي فليس مني»(١). إلى كثير من المرويات في هذا الموضوع التي تؤكد أن العمل في الإسلام من خير ما يقدمه الإنسان، وبالأخص ما يعود على الفرد والجماعة بالخير، وما يساعد على ازدهار الحياة وانتظامها، وقد ركز الإسلام على العمل التجاري، ولكن ونظراً إلى أهمية التجارة وإقبال الناس عليها، كانت امتحاناً لإيمان الناس؛ ولذلك تحدث القرآن عن ضعاف الإيمان فقال: {وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انْفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِمًا}[الجمعة: ١١].
  ولأن التجارة عصب الحياة والسبيل الأفضل للعيش والرفاهية؛ لأن الإنسان يستطيع بالتجارة أن يساهم في كل عمل خير ويعطي السائل ويصل الرحم، فقد يفتتن بعض الناس بما يجنيه من مكاسبها، كما بين الله ذلك حين يقول: {كَلَّا إِنَّ
(١) رواه الإمام المهدي أحمد بن يحيى المرتضى في تكملة الأحكام.