درر الفرائد في خطب المساجد،

عبد الله بن صلاح العجري (المتوفى: 1427 هـ)

خطبة فيها تفسير كلمات الزهراء صلوات الله عليها

صفحة 139 - الجزء 1

  إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ ١٠٦}⁣[يوسف]. فمن قال: «لا إله إلا الله محمد رسول الله» بلسانه فقط، ولم يتقيد بأحكام الإسلام والإيمان فإنما شمله اسم الإيمان، فهو لا يمنع من المساجد ويقبر في مقابر المسلمين ويجرى في ميراثه مجراهم؛ إلا أن له أعمالاً دون ذلك يستوجب بها الشرك مثل الجبر والتشبيه وإنكار البعث وتكذيب الرسل وإباحة المحارم، ومن كان كذلك فقد تناوله مضمون هذه الآية، وحينئذ فإن على كل مكلف الالتزام بمنهج الله وأخذ دينه من حيث أُمِر بعيداً عن المتاهات والزيغ. هذا هو الموضوع الأول.

  والموضوع الثاني: هو أن الصلاة تنزيهاً للمكلفين عن الكبر، فحقاً حقاً إن الصلاة رفع للإنسان من التكبر إلى مستوى التواضع، ولأنها صلة روحية بين الله وبين عبيده، تتخذ لوناً خاصاً من القراءة والتسبيح والتهليل، وتتخذ طابعاً من السلوك الحسن، فإن الإنسان يقف أمام الله يعلن اعترافه بربوبية الله وبحاكميته المطلقة، ثم يبدي مطالبه متمثلة بطلب العون من الله حين يقول: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ٥}⁣[الفاتحة]، فهو بهذا يعترف بأن الحاكمية المطلقة في خلق الله هي لله وحده، فالله هو الذي يعلم ما يصلح الإنسان وما يفسده، وما يرفعه وما يضعه.

  وبعد هذا الاعتراف بالله سبحانه وبصفاته المقدسة يقف المرء أمام ربه وبهذا اليقين المطلق - يقف ليسأل الله الهداية حين يقول: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ ٦}⁣[الفاتحة]، وهذه العملية تتكرر خمس مرات في كل يوم وليلة؛ لتكون مصدراً لتربية النفس والوجدان على الخضوع لله سبحانه الخضوع المستمر، ولتُطْبَع حياةُ الإنسان كلها بطابع هذا الخضوع، ومن هنا فإن تكرار هذه العبادة يشكل مناخاً صالحاً يصقل نفسية المسلم ومشاعره، صقلاً ينسجم مع أوامر الله ونواهيه، لينطلق المسلم بعدها وهو أكثر قدرة على تطبيق منهج السماء وحمله والتبشير به.

  وقد رسم القرآن الكريم هذه الحقيقة حين أعلن أن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر، وهنا تتجلى الحقيقة التي تجعل من الصلاة مفتاحاً لإبراز لون