درر الفرائد في خطب المساجد،

عبد الله بن صلاح العجري (المتوفى: 1427 هـ)

خطبة فيها تفسير كلمات الزهراء صلوات الله عليها

صفحة 140 - الجزء 1

  خاص من السلوك، لونٍ بعيد عن المتاهات والانحرافات، وبعيدٍ عن الطيش والضياع، كما تَجْعَلُ من الصلاة مفتاحاً لخلق مناعة طبيعية لمواجهة جراثيم الفواحش ما ظهر منها وما بطن.

  وبعد اتضاح قيمة الصلاة الكبرى في خلق الشخصية الإسلامية الفذة الملتزمة تتضح لنا حقيقة أخرى، وهي أن الصلاة عملية تهذيب للإنسان وتنزيه له عن الكبر والخيلاء؛ لأن المرء المسلم حين يقف بين يدي ربه في هذه العبادة العظيمة، يشعر في قرارة نفسه أنه وكل موجود في هذا الكون البديع يقفون على صعيد العبودية المطلقة لله وحده، وحينئذ يحس بالتحرر المطلق من كل عبودية لغير الله.

  فالإنسان وسائر أبناء جنسه يعيشون في إطار يحمل منتهى العبودية لله الكبير المتعال، وعلى صعيد واحد من الكرامة والسؤدد، فلا بد إذاً أن تُلْغَى كل معالم الخيلاء والتكبر من المجتمع الذي يعيش في إطار الرسالة الإسلامية الخالدة الكريمة، فالصلاة تنزه الفرد والمجتمع من أدواء الخيلاء والغرور والتكبر، انطلاقاً مما تبثه الصلاة من أنوار ومن إشعاعات روحية واجتماعية في نفسية كل مسلم.

  وحقاً إن الزكاة تزكية للنفس ونماء في الرزق، فمن الحكمة البالغة أن الإسلام حين يفرض فريضة الزكاة للفقراء في أموال الأغنياء، لم يجعلها مجرد ضريبة مالية تؤدى من الغني إلى الفقير فقط، بل أضفى عليها طابعاً روحياً حين أعلن بأن الزكاة عبادة من العبادات العظيمة مثل الحج والصلاة والصيام وغيرها من العبادات، وأن الإنسان مسؤول عن دفعها، مسؤول أمام الله الذي يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور، ومن هنا ينطلق الإسلام ليعطي هذه الفريضة صفة قانونية صارمة، يعاقب عليها القانون الإسلامي في الدنيا والآخرة عقاباً صارماً.

  إن الإسلام حينما يلزم أبناءه بأداء فريضة الزكاة، إنما يستهدف توجيه غريزة حب التملك التي هي في كل إنسان، توجيهاً يجني ثماره الفرد والمجتمع، بحيث تكون الثروات ملكاً لجميع أبناء الأمة؛ لئلا يستبد بها فئة من الناس على حساب