درر الفرائد في خطب المساجد،

عبد الله بن صلاح العجري (المتوفى: 1427 هـ)

خطبة فيها تفسير كلمات الزهراء صلوات الله عليها

صفحة 141 - الجزء 1

  الآخرين، وتعطينا هذه الصورة الوضاءة من منهج الله العظيم درساً يجعلنا نؤكد أن الفرد والمجتمع في المنهج الإسلامي لا حدود بينهما بل تتشابك مصالحهما، فيعمل الفرد من أجل المجتمع، ويعمل المجتمع من أجل الفرد وفقاً لنظام رصين، ولا تتحقق هذه الفضيلة إلا بتزكية النفوس من عنفوان الأنانية والأثرة التي فرضت الزكاة لتحقيقها، وهنالك فائدة أخرى من أداء هذه الفريضة، وهي تتمثل في أن النفوس البشرية سيختفي ما تنطوي عليه من أحقاد وبغضاء، سيما نفوس المحرومين، فهم حين يرون أصحاب الثروات يدفعون لهم نصيبهم منها متمثلاً بفريضة الزكاة، فستكون نظرتهم لهؤلاء نظرة حب وإكبار، فيتحول العداء والتناقض إلى إخاء وإخلاص ومحبة.

  ثم إن الغاية من فرض الزكاة ليست لتزكية النفوس فقط، بل هنالك غاية أخرى تتعلق بمحيط الإنسان نفسه، فينمو رزقه وتزداد ثروته وتكثر خيراته؛ لأن شرائط الإيمان الحقيقي والتقوى التي أعد الله لأهلها جنته - شرائط الإيمان هو أداء جميع الفرائض، ومنها فريضة الزكاة.

  وأيضاً لما كانت البركة منوطة بالإيمان والتقوى يتبين لنا أن الزكاة نماء في الرزق، وقد بين الله هذه الحقيقة في القرآن حيث يقول: {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ}⁣[الأعراف: ٩٦].

  وأما الموضوع الرابع فذلك: أن الله فرض الحج تقوية للدين فمعلوم، ولذلك رغب الله فيه فأبلغ في الترغيب، والآيات القرآنية والأحاديث النبوية تدل بوضوح على فضل الحج وعظمته، وتدل أيضاً على فضل وعظمة مكة والكعبة، يقول الله جل شأنه: {إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ ٩٦}⁣[آل عمران]، ويقول رسول الله ÷ في آخر حديث له: «وترك البيت أن يؤم؛ فإن ترك هذا البيت أن يؤم لم يناظروا»⁣(⁣١).


(١) رواه الإمام أبو طالب في أماليه عن علي #.