[الخطبة للجمعة الأولى من شهر رمضان]
  وجل بذلك عتق رقبة، ومغفرة لذنوبه فيما مضى، فقيل له: يا رسول الله، ليس كلنا يقدر على أن يُفَطِّر صائماً. فقال: إن اللّه تعالى كريم يعطي هذا الثواب من لا يقدر إلا على مذقة من لَبَنٍ يفطر بها صائماً، أو بشربة من ماء عذب، أو تميرات لا يقدر على أكثر من ذلك. ومن خفف فيه عن مملوكه، خفف اللّه ø حسابه، فهو شهر أوَّلُه رحمة، ووسطه مغفرة، وآخره إجابة وعتق من النار، ولا غنى بكم عن أربع خصال: خصلتان ترضون اللّه تعالى بهما، وخصلتان لا غنى بكم عنهما، أما اللتان ترضون اللّه تعالى بهما فشهادة أن لا إله إلا اللّه، وأني رسول الله، وأما اللتان لا غنى بكم عنهما، فتسألون اللّه تعالى فيه حوائجكم والجنة، وتسألون اللّه تعالى العافية، وتتعوذون به من النار»(١).
  واستمر ÷ في تلكم الخطبة العظيمة، ولكننا نكتفي بما قد شرحناه منها ففيه ذكرى لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد، وسوف نؤدي بقيتها في خطبة أخرى.
  فمن أراد الاتصال بعالم القدس والطهارة، والارتقاء إلى مدارج الكمال فعليه أن يتنزه عن الاسترسال في طلب لذائذ الجسم، وأن ينقبض عن الطموح في شهوات البدن، وأن يبتعد عن كل ما يشغله عن الله، وهذه هي التقوى التي يخبرنا الله تعالى أنها تحصل بالصيام حين يقول: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ١٨٣}[البقرة]، فالصيام من أفضل العبادات ومن أجل الطاعات.
  واعلموا أيها المؤمنون، أن ما تعطيه جميع العبادات من آثار كريمة وثمار طيبة، فهي إنما تعود إلى العبد نفسه، وفوائدها راجعة عليه، كما أن آثار المعاصي السيئة، وما تعود به من الوبال والخسران والخلود في النيران، فهي كذلك إنما تعود إلى الإنسان العاصي، فالله ﷻ يقول وقوله الحق: {إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ
(١) رواه الإمام أبو طالب في أماليه.