درر الفرائد في خطب المساجد،

عبد الله بن صلاح العجري (المتوفى: 1427 هـ)

[خطبة للجمعة الثانية من شهر رمضان]

صفحة 177 - الجزء 1

  فشمروا في السعي لأعمال البر، والبر فهو كما قال الله تعالى: {لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ ١٧٧}⁣[البقرة].

  أيها المؤمنون، إن الله تعالى من رحمته بهذه الأمة اختصها بشهر رمضان، الشهر العظيم الذي ميزه عن سائر شهور السنة بمميزات عظيمة، أولها: أن الله تعالى لم يذكر في القرآن اسم شهر من شهور السنة إلا شهر رمضان، فهو يتردد على ألسنة التالين للقرآن في شرق الأرض وغربها وشمالها وجنوبها حتى يرث الله الأرض ومن عليها.

  ومنها: أن الله تعالى اختاره لإنزال القرآن فيه، فهو لذلك شهر ميلاد الإسلام، بل اختاره لإنزال جميع الكتب السماوية كما جاءت بذلك رواية عن الصادق #، وهذه تدل على عظمته وعلو شأنه.

  ومنها: أن الله جعل من لياليه ليلة القدر التي هي خير من ألف شهر كما وصفها الله، والتي من أحياها إيماناً واحتساباً وجبت له الجنة.

  ومنها: أن في هذا الشهر العظيم كان أول انتصار للإسلام بقيادة رسول الإسلام سيدنا ونبينا محمد ÷، وذلك في واقعة بدر الشهيرة.

  وفي شهر رمضان كان النصر العظيم للإسلام، ألا وهو فتح مكة المكرمة، فهذه المميزات اختص بها شهر رمضان العظيم، ولقرب حلول ذكرى قصة الفتح فهذه مقتطفات من قضية الفتح المبين وأسبابه:

  ففي شهر رمضان من السنة الثامنة للهجرة حقق المسلمون بتوجيه من الله وبقيادة رسول الله ÷ أكبر انتصار على الوثنية في شبه جزيرة العرب، ومَنَّ الله بفتح مكة وعودة الإيمان إلى بيت الله الحرام، مركز الإيمان ومنطلق الإسلام، وزالت بذلك عبادة الأوثان، وصار الإسلام هو المسيطر في شبه الجزيرة؛ إذ لم