درر الفرائد في خطب المساجد،

عبد الله بن صلاح العجري (المتوفى: 1427 هـ)

[خطبة للجمعة الثانية من شهر رمضان]

صفحة 178 - الجزء 1

  يبق للوثنية والشرك إلا أتباع قليلون مذعورون، وسرعان ما دخلوا في الإسلام.

  وبتلك المناسبة أنزل الله على نبيه ÷ سورة النصر، وفتح مكة ذكرى من ذكريات تاريخنا المجيدة.

  وإذا تحدثنا عن أي ذكرى تاريخية فالغرض هو الانتفاع بها في حاضرنا ومستقبلنا، فهي كقبس يضيء لنا طريق حياتنا، فمن خلال تلكم الأنوار نتمكن من سلوك نهج أمجادنا، فمحمد وصحبه نهج الله القويم وصراطه المستقيم، وفتح مكة هو الحلقة الأخيرة في وعد إلهي نفذ على ثلاث مراحل؛ إذ كان النبي ÷ قد رأى أنه سيدخل هو والمسلمون مكة في السنة السادسة محلقين رؤوسهم ومقصرين، وكان المشركون قد منعوهم من دخول مكة حتى في الأشهر الحرم التي كانت الجاهلية تعظمها ولا تصد أحداً عن دخول مكة فيها كائناً من كان.

  فخالفوا تقاليدهم الراسخة، وصدوا رسول الله والمسلمين خلال الست السنوات الأولى للهجرة، فلما رأى هذه الرؤيا تجهز رسول الله والمسلمون للحج، ولكن قريشاً منعتهم عن دخول مكة، فجرت بين الطرفين مفاوضات أسفرت عن صلح الحديبية المشهور.

  وغضب بعض المسلمين وشك بعضهم لأن النبي ÷ لم يدخل مكة ولكنه لم يأبه بذلك وأبرم الصلح مع قريش، والذي من بنوده: دخول النبي ÷ والمسلمين في العام القابل لأداء العمرة، فكانت هذه هي المرحلة الأولى من مراحل تحقيق الوعد الإلهي الثلاث.

  وكان هذا فتحاً قريباً كما سماه الله تعالى فيما أنزل في ذلك حيث يقول: {لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا ١٨}⁣[الفتح].

  وذلك لأنه فتح أمام الرسالة الإسلامية آفاق الدعوة السلمية، فهيأ للناس أن يفهموا الإسلام وهم في أمان من قريش وعدوانها؛ إذ يروى أنه دخل في الإسلام ما بين صلح الحديبية إلى الفتح مثلما كان قد أسلم من ابتداء الدعوة إلى ذلك