[خطبة للجمعة الثانية من شهر رمضان]
  التاريخ أو أكثر؛ لأنه كان من أراد أن يسلم من أي قبلية تصدت له قريش.
  وجاءت المرحلة الثانية، وهي دخول النبي ÷ في السنة السابعة معتمرين محلقين رؤوسهم ومقصرين، وبذلك حقق الله للمسلمين انتصاراً آخر، وهو تأكيد حقهم في حج بيت الله العتيق بسلام، وبهذه المناسبة أنزل الله تعالى قوله: {لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيَا بِالْحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ لَا تَخَافُونَ فَعَلِمَ مَا لَمْ تَعْلَمُوا فَجَعَلَ مِنْ دُونِ ذَلِكَ فَتْحًا قَرِيبًا ٢٧}[الفتح].
  أما الحلقة الأخيرة، وهو فتح مكة وأسبابه، فإنه كان مدة المعاهدة في صلح الحديبية عشر سنوات، وكان من بنوده أن حلفاء كل فريق آمنون من الطرف الآخر لا ينالهم منهم أي أذى، إلا أن قريشاً اعتدت وغدرت فبغدرها ألغيت تلكم المصالحة والمعاهدة.
  وذلك أن في شهر شعبان من السنة الثامنة للهجرة قامت قريش بقتل عشرين شخصاً من قبيلة خزاعة التي كانت حليفة لرسول الله ÷، فلما علم بهذا العدوان الغادر اعتبر هذه المعاهدة ملغاة؛ لإخلال قريش ببند من بنود المصالحة.
  وكان من قوله ما ذكرته التواريخ: «لا نصرت إن لم أنصر خزاعة مما أنصر منه نفسي»(١) واستعد سراً لغزو مكة وفتحها.
  وفي شهر رمضان من ذلك العام اتجه ÷ والمسلمون فجعل الله لهم المهابة في قلوب أعدائهم، فاستسلمت مكة للنبي ÷، وبذلك تمت الغلبة للإسلام والمسلمين على حرم الله وأمنه، وعاد التوحيد بعد الوثنية إلى بيت الله، وحطمت جميع معالم الوثنية في الكعبة من صور وأصنام، واجتمعت قريش في المسجد الحرام وهي تترقب انتقام النبي ÷ منها على اضطهادها له
(١) ذكره ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة، و رواه الأميرالحسين في كتاب شفاء الأوام بلفظ: «لا نُصرتُ إن لم أنصركم».